إذا كنتُ ذكرتُ أول من أمس كيف أن “العيال كبرت”، فيجب أن أتحدث اليوم كيف أن “الكبار صغرت”! يتعجّب أحد المسنين من حماسة ابنه الأربعيني مع لعبة “Angry Birds”، فهو في المجلس وأثناء احتساء القهوة، وفي حالاتٍ متعددة عند الإشارة المرورية أو جلسات الانتظار يكافح من أجل الوصول إلى مراحل متقدمة من تلك اللعبة الشهيرة. اللعبة التي لا يخلو منها جهاز “آيفون” أو جهاز “آيباد”، وأرجو ألا أعتبر متعصبا لمنتجات التفاحة المقطومة آبل. يسائل ابنه عاتباً مستغرباً: “تلعب ألعاب أطفال؟ هل جننت؟ لا تكن أكثر طفولة من الصغار”!
ومع أننا لو صدقنا لبحثنا عن الطفولة كما يبحث الأثرياء عن الأموال، لكن الأكيد أن الكبار اليوم ليسوا هم كبار الأمس، لأن ثورة التقنية جرفتهم ليكونوا أكثر التصاقاً بما يعيشه الناس. والألعاب التي لا يخلو منها جهاز أو هاتف صارت لدى البعض ميداناً للتعارف، إذ ربما لعب الشخص لعبةً مع آخر في كندا وثالث في اليابان، بنفس اللحظة. الكبار والصغار اشتركوا في ذات الاهتمامات المتعلقة بالتسلية، ولعبة “Angry Birds” خير مثال وأكبر برهان.
العجيب أن لعبة “Angry Birds” أو الطيور الغاضبة لها علاقة بتهدئة الأعصاب كما يحلل البعض. وهناك من الكبار من لا يغشى النوم عينه إلا بعد أن يلعب بعض الألعاب المسلية حتى يخلد إلى النوم العميق. التسلية لم تعد للصغار فقط بل يشترك فيها الكبار. كان الكبار في السابق يستنكفون من مشاركة الأطفال ألعابهم، ويكتفون بشراء الألعاب للصغار من دون أن يشاركوهم اللعب. باتت الأجيال مختلفة وحلت في كثير من “الملاحق” الألعاب، محل الكيرم، والبلوت. إنه العصر المختلف.
إن التقنية التي تتناسل بابتكاراتها واختراعاتها يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، ضيقت المسافة التي كانت مضروبةً بين الكبار والصغار في جزئيات التسلية. نعم، لقد صغُر الكبار وباتوا يقلبون الألعاب في جوالاتهم كما يفعل الأطفال بالضبط. لكن للبعض أن يتساءل هل هذا التقلص للمسافة بين الكبار والصغار إيجابي أم سلبي؟!
أظن أن الكبار بالغوا في التقليل من قيمة اهتمامات الأطفال، وبخاصةٍ في المجتمعات الخليجية التي تطلق في بعض لهجاتها على الأطفال اسم “جهّال” مع أن الجاهل هو الشخص الكبير الذي يظنّ أن العلم والمعرفة والنمو العقلي ترتبط بالسنّ، بالغ الكبار في تتفيه الصغار وتجهيلهم وبعد رحلةٍ طويلةٍ من العزل الممارس ضد الطفل واهتماماته، ها هم الكبار يزاحمون الأطفال على ألعابهم… الأطفال لم يعودوا جهالاً!.