أشعر باهتمام غريزي بالمكفوفين. وقد مكنني الله من تأليف كتابٍ عنهم، وعن رمزٍ من رموز الإبداع السعودي وهو: مهند أبو دية. لأنني أرى في البصيرة التي تشع من حروف المكفوفين سحراً لا يمكن تفسيره، وأجد في ابتكاراتهم الكثير من العمق والإنجاز والتفوّق، قرأتُ عن ابتكارٍ لإحدى المكفوفات، حيث اخترعت متصفحاً على طريقة “برايل”، والمُبتكرة هي: نورة جابر العبدلي، من جامعة الملك خالد (طالبة بكالوريوس تخصص نظم معلومات) تتحدث عن مشاركتها في المؤتمر العلمي الثاني لطلاب وطالبات التعليم العالي في فرع الابتكارات والاختراعات وتقول: “المكفوفون فئة غالية وجزء لا يتجزأ من المجتمع ولهم الكثير من الحقوق”.
المبدعة نورة، سئلت عن سبب اهتمامها بهذا الابتكار بالذات فقالت: “كنت دائماً أتطلع إلى إيجاد طريقة تسهل على الكفيف استخدام وتصفح الإنترنت, خصوصاً وأنهم فئة من فئات المجتمع ومنهم عظماء شهد لهم التاريخ فكان حق لهم علينا بذل ما بوسعنا لجعلهم يشاركونا ولو بالقليل من حيث رؤية العالم ومتابعة العلوم من خلال الإنترنت، ومن هنا جاءت فكرتي المتواضعة (متصفح برايل للمكفوفين) الذي يساهم في تسهيل تصفح الإنترنت وتنمية قدرتهم على القراءة”.
الحاجة هي أم الاختراع، والكفيف يستحق أن ينال مثل المبصرين فرصة التمتع بأزرار التقنية، وأن يتمكن من القراءة في الإنترنت، والتصفح المتاح، وأجمل ما في هذا الابتكار أنه جاء من كفيف ولم يكن مجرد ابتكار جاء عن طريق المبصرين، بل تمكنوا هم من إبصار حاجاتهم ومشكلاتهم، وتمكنوا هم من التأمل في ما يحتاجونه من مبتكرات ومخترعات، لهذا جاء ابتكار نورة فريداً من نوعه لأنه “برايل” يتيح للمكفوفين سد احتياجٍ مهم ومفيد.
الرسالة التي تعطيها نورة لكل المكفوفين والأصحاء أن العبقرية لا سنّ لها، ولا مواصفات جسديةٍ لها، وأمثلة التاريخ على وجود عباقرة وعظماء فقدوا بعض حواسهم ألفت فيها كتب كثيرة، يكفي أن نعرف أن من أعظم من كتب في اللغات البشرية كان بعضهم غير مبصر، مثل بورخيس وأبو العلاء المعري وسواهما، والمكفوفون منذ أن أتيحت لهم مؤسسات خاصة بهم تؤوي إبداعاتهم وترعى إنتاجهم وهم يثبتون للأصحاء أن الكفيف أكثر نشاطاً وإرادةً من كثير من الأصحاء.. شكراً نورة العبدلي على هذا الإنجاز والابتكار!