المسرح جزء من تاريخ وثقافة الإنسان، له امتداده وتأثيره منذ بدء وعي الإنسان حينها اخترع المسرح والخطابة والتعبير. لكننا في السعودية لم نطور المسرح كما ينبغي، حيث تغيب عنه دعامتان أساسيتان، هما: الموسيقى، والمرأة. وأحسب أن حضورهما في الفنون المسرحية ضرورة ملحة، خاصةً أن المسرح أداة عرض فني مهمة ومؤثرة في كل المجتمعات. قبل أيام اعتذرت جامعات كثيرة في السعودية عن عرض مسرحية “كائناً من كان” بسبب وجود موسيقى مصاحبة لبعض مراحل العرض المسرحي!
علي الغوينم مخرج المسرحية ثمّن دور جامعة جازان في قبول عرض المسرحية مع وجود الموسيقى، بعد أن اعتذرت معظم الجامعات عن احتضانها. هذا مع أن أفكار المسرحية فيها ثناء على الهيئة، وفي إحدى التغطيات عن المسرحية جاء فيها أن هيئة الأمر بالمعروف حضرت في المسرحية:” التي سعى مؤلفها مشعل الرشيدي لإبراز دورها في مكافحة الفساد، وتجسد حضور الهيئة من خلال مشهد إلقاء القبض على مجموعة كانت تتعاطى المسكر بإحدى الاستراحات مما دفع الجمهور للتفاعل بشكل لافت مع المشهد”.
الرشيدي يقول إن اسم المسرحية أخذه من الأمر الملكي بالتحقيق في كارثة سيول جدة، وهو يربط المسرح بـ:”بمحيطه وله دور كبير في إيصال رسالة إلى أصحاب الفساد الإداري الذين تسببوا في كوارث إنسانية واجتماعية في السعودية”!
المشكلة أن الجامعات التي ينتظر منها أن تشجع على الفنون، وأن تعلم الأجيال نعمة الفن وتذوق الموسيقى لم تكن جريئةً بما يكفي لتحتضن عرض مسرحية تحتوي على بعض الأصوات الموسيقية، والموسيقى مسألة خلافية كما هو معلوم في الفقه وبإمكان أي إنسان أن يأخذ أي كتابٍ فقهي ليجد سرد الخلاف، لهذا فإن قيام قرارات ضد الفنون على أساس رأي من الآراء فيه تقليص لمساحة الفن في المجتمع والواقع!
قال أبو عبدالله غفر الله له: يقاس تطور كل مجتمع بالفنون التي ينتجها، وحين كانت الكويت سبّاقة ورائدةً في المجالات الفكرية كانت متطورة في الفنون الأخرى، وكذلك الحال في مصر زمن التطور والنهضة، أما اليوم فالفنون الجميلة تحاصر، وتكسر دعائم المسرح، وتخفي الجامعات أدوارها في دعم الفن في المجتمع. وهيئة الثقافة والفنون لا تزال تئنّ من ضعف الداعمين وقلة المتعاونين معها، ولا عزاء لنا ونحن نقرأ كل يوم عن مآسي الفن والفنانين!