“إن أسئلة الناس اليوم تعد بالملايين فهل فُتِنَ الناس بكثرة السؤال حتى أصبحوا يلقون على الفقيه كل شيء؟”!
هذه المقولة للشيخ: سلمان العودة، على صفحته في “تويتر” نشرت بالأمس، ضمن مقولاتٍ كثيرة تناولت الشأن الديني، وتخبط الفتوى في عالمنا الإسلامي. والفتاوى صارت “تبرئة للضمير” أكثر من كونها “بحثاً عن العلم” حين يحزّ في نفس واحد من الناس ما يزعجه تراه يتخبط يمنةً ويسرة باحثاً عن الذي يخرجه من ورطة. صار المفتي في الإسلام – وبخاصةٍ في الفضائيات- عبارة عن “مخلص لمأزق الضمير”، كل من حار في لوعةٍ وجدانية حتى وإن كانت مجرد “وسوسة” اتجه إلى أحد المفتين، متخلصاً من عبء أزمته الشخصية من خلال المفتي، لهذا فإن بعض الحكماء من المفتين في تاريخ الإسلام كانوا ينهون عن كثرة السؤال، والتنطع في أمور الطاعات والعبادات، ومسائل الشريعة، فالأصل في الأمور الإباحة، لكن بعض الناس من خلال ممارساتهم جعلوا الأصل في الأمور التحريم!
فلو أن مطعماً “أرجنتينياً” فتح في قريةٍ من القرى، لتبارى الناس في استفتاء العلماء حول حلّ الأكل منه، مع أن مطاعم أميركية كثيرة يأكل منها الناس منذ عقود، لم تثر أسئلتهم، لكنها الغرابة وحب التخلص من وهج الغرابة، والكسل الذهني، يدفع البعض الى الاستفتاء المبالغ فيه.
قبل أيام ثارت مسألة حكم “رقية الفنان محمد عبده”! تخيلوا؛ هذا الفنان الجميل، الذي رفع اسم المملكة عالياً من خلال رسم صورةٍ جيدة، وترجمت بعض أغانيه إلى الفارسية والهندية، تخيلوا أن ذلك الفنان الرائع المبدع نبخل عليه برقيةٍ من القرآن!
ما إن بدأ الشيخ الراقي محمد الحسين الفلقي استعداده للذهاب لباريس كما نشر في موقع سبق الإلكتروني لرقية الفنان محمد عبده حتى اشرأبت الأعناق وتطاولت الرقاب وانهمر الخطاب المجتمعي جارفاً في ردات فعله ما بين مؤيد ومنفر ومستغرب لم يقف استغرابة حتى هذه اللحظة، وها هو الشيخ يمضي قدما في نشر ثقافة الوعي بالرقية وأبعادها، وما قاله لم يعد ضربا من المسلمات بل هو يكرس مفهوما عقلانياً لدائرة أوسع في مدخلات بعد إنساني راق يتسم بتعددية رؤيوية لرقية عصرية تتماهى مع مقاصد الشريعة الإسلامية في عمق مدلولاتها. فالشيخ الراقي لم يذهب في حديثه مغاضباً بل يرى أن محمد عبده من ضمن المسلمين، وله من الحقوق التي أقرها الشرع، فلماذا كل هذا الضجيج وكأن محمد عبده كائن من كوكب آخر؟!
قال أبو عبدالله غفر الله له: والبعض يستفتي ليغلق ويشدد لا ليسهّل ويمهد، والنبي عليه السلام قال كما في الصحيح: إن أعظم الناس جُرماً من سأل عن مسألةٍ لم تحرم فحرّمت من أجل مسألته، هلاّ وعينا هذا الخطر المحدق بمفهوم السؤال الشعبي؟!