في مناسبةٍ ثقافية شاركتُ فيها مؤخراً أبهجتني صورة رائعة تعبر عن عمق المسؤولية الاجتماعية، تذكرتُ أن بعض المواقف السيئة تعطيك فرصة رؤية موقفٍ جميل على الضفة الأخرى، وحين ترى تصرفاً سيئاً، فإن التصرفات الجميلة الأخرى هي التي تعيد إلى النفس سرورها.
جزء من الظواهر السيئة في العالم كله، وفي السعودية تحديداً انتشار ظاهرة “خفّة اليد” وهو تعبير ملطّف لسلوك “السرقة” المشين، يخلعه المجتمع على من يسرق أشياء خفيفة، وإن غلا ثمنها!
في مناسبة حضرتها ،في جدة سمعتُ إلحاحاً من إدارة الصالة التي أنا فيها عبر “مكبرات الصوت” بأن جوالاً قد عثر عليه، وأن على صاحبه المجيء لاستلامه!
تخيلوا: جوال يعود لصاحبه! هذا خبر نادر في عالم السرقة، أن يسرق جوالك يعني أن لاعودة له أبداً إلى جيبك، ربما عودة الجوال إلى صاحبه في هذه القصة من “نوادر القصص” التي يجب أن تروى وتتلى، لأن سرقة الجوالات والسيارات صارت للأسف “ظاهرة” محزنة للغاية!
فضولي سيطر عليّ، كيف يعود الجوال إلى صاحبه؟ تمتمت بيني وبين نفسي: هذا مثل عودة الشيخ إلى صباه! نسيتُ القصة، حتى روى لي المشهد كاملاً الزميل: هاني المعبدي، حيث اكتشفتُ أنه هو الذي أنقذ الجوال من “السارق” وهو الذي أعاده إلى إدارة الصالة وهو الذي وجد السارق متلبساً.
سألتُ هاني: ما القصة؟
قال: بالصدفة وضع أحدهم جواله على الطاولة وهو في حالة غفلة، إلى أن رأيتُ يد رجل أربعيني مبتسم وبصحبته فتياته اليافعات وهي تمتد إلى الجوال ليضعه في جيبه ثم مضى، لحقتُ به ومسكته، قلتُ له: أريدك على انفراد، ثم طلب هاني من هذا السارق إعادة ما أخذ بعيداً عن سماع بناته لمجريات الحوار، وبعد إنكار وشد وجذب أعاد الأربعيني الجوال إلى يد هاني، ثم أسمعه هاني كلماتٍ لطيفة حين قال له:أردتُ أخذ ما سرقتَ بعيداً عن سمع بناتك حتى لا أخدش نفسياتهن وبراءة صورتهن عنك اذهب ستر الله عليك!
قال أبو عبدالله غفر الله له: وهذا موقف مشرف من هاني الذي قام بدور اجتماعي آسر، فهو أصاب حين تتبع السارق، وأصاب حين لم يحدث جلبةً في المكان، ولم يخدش صورة الأب أمام بناته، هاني حقق معجزة أمنية حين جعل من إمكانية عثور الإنسان على جواله بعد أن يسرق واقعاً لا حُلماً، شكراً يا هاني على قبضك على الجاني، ولمسؤوليةٍ اجتماعية وأخلاقية قمتَ بها!