من الضروري أن نناقش وبجرأة مفهومنا نحن معاشر السعوديين للحياة، هل نمارسها بحب وسعادة وبهجة؟ أم إن الكآبة تغمر عدداً لا يستهان به من المجتمع، ليصبح البروزاك أقرب إلينا من الأرز! لا يجادل عاقل في انتشار الاكتئاب وتسابق البعض على كمالياتٍ لا تمنحهم السعادة كما يتوقعون.
إن السعادة تبنى على رؤية الإنسان للحياة، وكيف يمارسها، وما هي الأفكار التي يحملها عن معنى الحياة. لا شك أن الطفرات التي مرّت بها البلاد والنقلات الشديدة والمفاجئة من فلاة البر إلى المدينة بكل صخبها شكلت للكثيرين صدمةً شديدة، وإن في لا وعيهم، لهذا فإننا نحن معاشر السعوديين ندرك الأخطاء التي نعايشها أكثر مما ندرك الإيجابيات الكثيرة، وربما كان هذا سبب “الهاشتاق” الذي أسسه الشاب سعود بن فهد الدغيثر في (تويتر)، وتحول بعد دقائق لحدث كوني!
أعجبتني جملة للدكتور أحمد العيسى يقول فيها: “أعتقد أننا بحاجة إلى جهد ثقافي وفكري عميق ومتنوع بحيث نعطي للحياة معنى وقيمة، ونعيد من خلاله قيم الاحتفاء بالحياة من دون تعقيد أو تكلف أو مبالغة، كما نعيد الهدوء والسكينة والاطمئنان إلى الناس، نحن نعيش بالمقاييس المادية بكل ما يحلم به البشر في أي زمان أو مكان، فالبلد فيه نعم كثيرة، وخير عميم، ونعيش في استقرار وأمن، ونعيش ونحن نستخدم أحدث مستجدات التقنية، فلم إذاً هذا القلق، ولمَ هذا التشاحن، ولمَ هذا التسابق نحو المظاهر الزائفة؟. لقد اكتفينا من قيمنا الدينية بالمظاهر، وتعلمنا أحكام الحلال والحرام، ولكننا لم نعتنِ بشكل كافٍ بقيم الحب والرضا والقناعة والتسامح والصلة والعفو والإيثار والشهامة والنبل وكل ما هو جميل في ديننا وقيمنا العربية الأصيلة”.
قلتُ: قد يرى البعض في هذا الكلام مبالغة في كون السعوديين يعيشون في بحبوحة من الرغد، لكن في سياق السعادة لا بد من الإدراك الذهني للإيجابيات التي تحفّنا وأن نحاول تغيير السلبيات.
قال أبو عبدالله غفر الله له: وكلام الدكتور العيسى محوري ومهم من أجل صناعة ابتسامة، لأنني كلما زرتُ وطني أشعر أن النفوس مشحونة ربما تنشب حرب داحس والغبراء على “موقف سيارة” بسبب الاحتقان الذي أشير إليه، إن السعادة مسألة داخلية ذاتية قبل أن تكون خارجية، وقديماً قالوا: “كن جميلاً ترى الوجود جميلاً”، طبقاً لفلسفة إيليا أبو ماضي العظيمة، فالسعادة ذاتية وتخدمها بعض العوامل الخارجية بلا شك!
آمل أن نؤمن بالحياة رغم كل ما يعيشه الإنسان من صعوبات، فقط ليلتفت سيرى النور بكل سطوعه!
وتأملوا ما أعظم “أبو ماضي”، الذي كتب أبياتاً للمستقبل يوم قال:
أيها الشاكي وما بك داء
أن شر الجناة في الأرض نفس
وترى الشوك في الورود وتعمى
والذي نفسه بغير جمال
ليس أشقى ممن يرى العيش مراً
أحكم الناس في الحياة أناس
فتمتع بالصبح ما دمت فيه واذا ما أظل رأسك همٌ
كيف تغدو إذا غدوت عليلا
تتوخى قبل الرحيل الرحيلا
أن ترى فوقها الندى إكليلا
لا يرى في الوجود شيئاً جميلا
ويظن اللذات فيها فضولا
عللوها فأحسنوا التعليلا
لا تخف أن يزول.. حتى تزولا
قصر البحث فيه.. كي لا يطولا!