من الطبيعي أن يحدث الاختلاف بين الناس في آرائهم وأفكارهم. الاختلاف أصل والاتفاق حالة طارئة. العجيب أن البعض أخذ على عاتقه في كل مشاريعه الحوارية لجعل المجتمع متفقاً مع بعضه البعض، في كل شيء، بحيث لا يكتفي بالاتفاق على الأصول الأساسية في الدين أو الأخلاق، بل حتى في أدق المسائل يود لو أنه جعل كل أهل الأرض على رأيه هو ومواقفه هو، سواء من عملية السلام، أو من بان كي مون، أو من انفصال السودان، أو من النزاع العربي الإسرائيلي أو من سعر الغاز في إيران. كل تلك التفاصيل يمكن أن تنشب بسببها معركة حامية الوطيس، وربما طلب المباهلة على صحة الرأي ليثبت صحة رأيه المطلقة من دون شكٍ أو سؤال.
الغريب أن البعض حين تخالفه الرأي يبادرك بالدعاء عليك، وما أكثر الأدعية التي نسمعها ضد المختلف في مسائل مهما كانت صغيرة مثل: “اللهم عليك به، اللهم شل يده، اللهم أخرس لسانه، اللهم إنه أفسد عبادك فانتقم منه، اللهم خذه أخذ عزيزٍ مقتدر”، ويبلغ بعضهم أعلى أساليب التنكيل والتعذيب في الدعاء حين يقول: “اللهم شل أركانه اللهم جمد الدماء في عروقه و اجعله يتمنى الموت ولا يجده”! تخيلوا، هذا الدعاء يدعو به مسلم على أخيه المختلف في بعض الحالات. حين ينتهي الحوار ولم يقتنع أي طرف تبدأ الأدعية المتنوعة، والصور الخيالية من الأدعية التي تتمنى العذاب الشامل للمختلف، يدعون على الكتاب والإعلاميين والمشايخ الذين يختلفون عنهم فقط، لأن الرأي لا يتطابق مع الرأي، فإما أن تقتنع برأيي وإما أن أدعو عليك.
بينما أشاهد موضوعاً على الإنترنت مررت على تعليق من قارئ على ذلك الكاتب، وإذا به مدجج بأصناف القذف والتجريح، بل وتجاوزه ذلك المعلق ليجرح بوالدة الكاتب وأهله وذويه. المشكلة أنه بعد أن قذف وجرح بدأ مبتهلاً إلى الله بالدعاء، هذا تناقض عجيب، يستخدم أبشع الألفاظ وأقبحها ثم يبتهل إلى الله تعالى بالدعاء على ذلك الكاتب!
قال أبو عبدالله غفر الله له: الفرق بين إنسانٍ وآخر، في الأخلاق، في العبارات الحسنة، والطعن واللعن، والدعاء المعادي ضد المخالفين ينبئ عن حقدٍ شرس، وعن ضعفٍ في تقبل المختلفين، المشكلة الكبرى حين تستخدم منابر المسلمين للدعاء على المختلفين.. وهذه قصة أخرى أيضاً!