ارتبطت شخصية المتقاعد في ذهننا من خلال المسلسلات، رسموه في الخيال مسنا يسقي الزرع، ويناقش زوجته على صغائر الأمور، ويلاحق الأولاد ويحاسبهم على الإضاءة المبالغ فيها، أو على نسبة السكّر في الشاي، أو الهيل في القهوة. بعض الأفلام الأميركية صوّرت لنا المتقاعد على أنه الذي بدّل سيارته الصغيرة بشاحنة، وبدأ باللهو في المقاهي مع الأصدقاء، والعبث بالوقت يمينا وشمالا بانتظار ساعة الرحيل، لكن النماذج الإيجابية التي أحاول التقاطها دائما ما تغرس في النفس التفاؤل، نموذجي الإيجابي لهذا اليوم متقاعد سبعيني عاشق لقراءة الروايات استطاع أن يبدّل تبذير الوقت بالقراءة والمطالعة والتلذذ بالكتب والروايات الأدبية.
تنقل “الوطن” في عددها قبل أمس عن الأستاذ: فهد مفضي الفهيد المتقاعد من مهنة التعليم أنه: “كان يدرس في العاصمة الرياض عام 1388 وكانوا يشترون الكتب من “حراج ابن قاسم” في الرياض، حيث تأتي تلك الكتب بشوالات مربوطة أو بالكيلو “وكنا نحصل على الربطة التي يتراوح عدد الكتب فيها من 30 إلى 50 كتابا بسعر 12 ريالا في ذلك الوقت وكانت تطبع في لبنان، وكان للحظ عامل في اختيارك ففي بعض الأحيان تقع في يدك كتب جيدة وأخرى هزيلة”. كما يقول: “كان نصيبي أن أتعرف على رواية البؤساء ومن فرط حبي لها بدأت أتعرف على الروايات الأخرى”.
قرر بعد تقاعده أن يتعلم استخدام الحاسب والإنترنت حتى يجد المتعة في العثور على الروايات الجديدة، وبخاصة أنه تمنى تعلم اللغة الفرنسية من شدة إعجابه بأسلوب فيكتور هوغو في رواية “البؤساء”. الرائع في قصة الفهيد أنه وبعد أن حصل على التقاعد بدأ يكرس متعة القراءة لديه، ولم يجد في التقاعد فرصة للكسل أو الشعور بالملل أو السأم، التقاعد فرصته لتكون القراءة وظيفته الممتعة!
قال أبو عبدالله غفر الله له: آن لنا أن نكسر القالب الذهني عن شخصية المتقاعد، فهد بإيجابيته مع تقاعده ضرب بقوة النموذج التقليدي والصورة النمطية عن المتقاعدين، إن القراءة والمتابعة لجديد الكتب والرواية كلٌ وفق فنه الذي يعشق من أهم ما يمكن للإنسان أن يقضي بها وقته، وبخاصة حين يكون المتقاعد قد حظي بوقت للاستزادة من المعرفة والعلم، والسعادة بالوقت الذي يمنحه التقاعد للإنسان. أتمنى من الأستاذ فهد أن يشاهد فيلما مستوحى من رواية “البؤساء” والفيلم اسمه:” Les Miserables-البؤساء” صدر سنة 1998، كثّر الله نماذجنا الإيجابية من مثل هذا المتقاعد الجميل!