لا شك أن مشكلة الإسكان التي تناقش في السعودية حالياً ملحة. الكثير من المتزوجين يبحثون عن شققٍ تؤوي زوجاتهم وأولادهم فلا يجدونها إلا بثمنٍ باهظ. بينما نعيش على صحراء مترامية الأطراف. والعوامل التي أدت إلى هذا الخلل كثيرة، من بينها التعدي على الأراضي ومحاصرة المدن بالاحتكار الذي يحد من نمو المدن، والمشكلة أن تلك الأراضي تبقى يباباً لعشرات السنين، لأن صاحبها ربما ينسى أن هذه الأراضي له من شدة الغنى ربما، ومن كثرة الأراضي التي لديه. ويعجبني هذا العمل اللافت من لجنة مراقبة الأراضي وإزالة التعديات في جدة التي أزالت اعتداءات على بعض الأراضي بقيمة 14 مليار ريال سعودي!
المهندس سمير باصبرين رئيس لجنة مراقبة الأراضي وإزالة التعديات في محافظة جدة يقول في تصريحه:” لقد تمت استعادة أكثر من 280 مليون متر مربع من الأراضي المعتدى عليها في محافظة جدة”. أما عبدالله الأحمري –من غرفة جدة التجارية- فقد قال كلمة مهمة حين صرّح بضرورة:” أن تستغل الأراضي في تغطية مشاريع الإسكان وإخضاعها لإنشاءات البنية التحتية وإعادة تأهيلها للمواطنين, وأن هناك فئة امتهنت التعدي على الأراضي وتخطيطها للتغرير بالبسطاء, الذين يدفعون كل مدخراتهم قيمة لتلك الأراضي”.
قلتُ: والأراضي التي تم وضع اليد عليها، العمارة أولى بها من التجارة. هذا الحصار للمدن من خلال الأراضي المتروكة للمتاجرة أو للامتلاك هو الذي يخلق الأزمات. والأحمري أشار إلى الفئة التي تمتهن التعدي على الأراضي وتغرر بها البسطاء، أن يشتري التاجر مساحةً شاسعةً من الأراضي بثمنٍ بخس ثم يخططها ويدفعها إلى المواطنين ليشتروها منه بثمنٍ خرافي، هذا هو التلاعب بعينه. ولا تزال مشكلة الإسكان مرتبطة بالاحتكار للأراضي الذي جمّد حركة الحياة المدنية، وما لم توظّف هذه الأراضي ضمن نظامٍ معين يدفعها نحو إدماجها في حركة التنمية بدلاً من حركة التاريخ فإن الجمود الذي سبب معاناة الناس سكانياً سيظل ماثلاً أمامنا!
قال أبو عبدالله غفر الله له: لتكن هناك مبادرة فتح “الشبوك” بدلاً من تنصيبها أو زرعها في اتجاهاتٍ متعددة، فالمجتمع الآن يضج بالإنجاب والزواجات وتأسيس الأسر، ولا يمكن أن نتجاهل هذا النمو من دون إجراء جذري وحاسم يفتح المجالات لإنسان –لا أقول يمتلك بيتاً حتى لا أكون حالماً- وإنما ليستأجر بيتاً يؤويه هو وأولاده، ذلك أن المعروض حتى من الشقق صار قليلاً، والضحية هذا الجيل الذي صحا على أراضٍ شاسعةٍ ومساكن شحيحة!