الثبات على الحق انتقالٌ معه. الذي يثبت على أمرٍ ما بشكلٍ دائم لديه مشكلة في طريقة رؤيته للأشياء وتدبيره للأمور. الحياة قائمة على التغيير، وليتنا نستبدل كلمة: “الله لا يغير علينا” لنقول: “اللهم غير علينا للأفضل”. والثبات لا يعني الوقوف في المكان بنفس الأفكار لمدة سبعين سنة، من المهد إلى اللحد، بل الثبات أن نكون ثابتين في بحثنا وتطورنا. الشيء الوحيد الذي يجب أن يكون ثابتاً هو التغير نفسه، والدول الكبرى تغيرت للأفضل بعد أن جعلت التغيير نبراساً لها. والذي لا يتغير يموت، أو ربما يمرض ويأسن، وكما قال الشاعر العربي:
إني رأيتُ وقوف الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يجرِ لم يطبِ!
فالتغير هو سنة الحياة، وهو العلاج الذي يجعل من جذور الحياة معافاةً. المجتمعات التي لا تعيش التغيير لا تعيش تفاصيل الإبداع. نحن في السعودية عشنا تغييراً على مستوى المباني، لكننا بحاجةٍ إلى تغيير المعاني. الآن كل المجتمع تقريباً غارق بأحدث المنجزات الحضارية، وأكثرها تقنيةً ودقة، والطفل السعودي تجده يعبث بالآيباد باحتراف، لكن المشكلة ليست في استخدام الجهاز، وإنما في معرفته علمياً، كيف صُنع؟ وكيف تمكن العلماء من ابتكاره؟ وما هي الأدوات التي يقوم عليها من ناحية علمية؟ لا أن يشتري الجهاز ثم لا يدري المستخدم كيف صُنع، لأن الحالة الأخيرة تعبر عن جهل وعن حداثة مبانٍ لا حداثة معانٍ.
لم يعرف الكثيرون كيف صنعت المبتكرات العادية التي ننعم بها منذ عقود، مثل الكهرباء والهاتف، بل حتى”الحلاقة”، الجيد منهم من يعترف بجهله، والأسوأ الذي يرى أن لاحاجة له بمعرفة أساس التقنية التي يستخدمها وكيف تكونت.
في أحد البرامج الطريفة تقوم المذيعة المصرية بسؤال بعضهم عن “الليبرالية”، الجميع أجاب بالتأكيد، والجميع لم يفهم الليبرالية، أحدهم لم يستنكف من وصف الليبرالية بأنها سم يصيب الخضار وبخاصةٍ “الطماطم”.
المشكلة ليست في أن تعارض الشيء بعد أن تعلمه، أو بعض ملامح الحداثة بعد أن تقرأ فيها، المشكلة في عدم معرفة الشيء وفي الحديث عنه، ومع كل ذلك نكرر: “الله لا يغير علينا”!
قال أبو عبدالله غفر الله له: كل شيء إيجابي سببه التغير، العلم يأتي بعد الجهل إذن هو تغير، التمدن يأتي بعد البداوة وهذا تغير، التنظف يأتي بعد الاتساخ، وهكذا، إن التغير جمال دائم، والذي لا يتغير يموت وينتهي، فأسأل الله تعالى أن يغير علينا وباستمرار من حسنٍ إلى أحسن!