فكرة التشجيع أو مبدأ “الميل الرياضي” جزء منه تسلية، وجزء منه انتماء، تجد النصراوي يفزّ قلبه كلما رأى اللون الأصفر بلمعانه، والهلالي يرى في زرقة الملابس والمناظر لون فريقه، ويربط بين زرقة السماء والبحر وبين جمال لون ناديه المفضّل. والتشجيع عرف منذ القدم في العصر اليوناني حين كانت تقام المباريات الجسدية والمطارحات، وبعض الألعاب التي يتجمهر الناس لرؤيتها. فالتشجيع شيء بشري وجميل ما دام معتدلاً لا يجعل من الإنسان همجياً في تصرفه، وبما لا يرهق صحة الإنسان ويبدد وقته ويضيع ماله.
غير أن الفريق الذي يجمع السعوديون على تشجيعه هو “المنتخب” الفريق الذي يلبس اللون الأخضر، حين يلعب تبدأ الأمنيات الصادقة، وتكون الأنظار متجهةً نحو هدفٍ واحدٍ هو الفوز. يطمس اللون الأخضر بكل إيجابيته من محدودية تشجيع الأندية، يلبس الوطن خضرته ليكون هو اللاعب في الميدان، والأهداف تعبر عن كل سعودي، ولا تعبر عن هذا النادي أو ذاك. والهدف من أي لاعبٍ أتى هو هدف يعنينا جميعاً.
تاملتُ هذا الاشتراك في الهدف الواحد أثناء لعب المنتخب قبل أمس، كيف أننا كلنا تسمرنا أمام الشاشات ولدينا أمنية واحدة مشتركة. وحين جاءت الطلقات الثلاث في مرمى تايلاند شعرنا بالسعادة الغامرة! حين يلعب المنتخب تختفي الاختلافات البينية، سواء كانت رياضية أم فكرية أم طائفية أم مناطقية، تختفي الانتماءات الضيقة وينتمي الجميع إلى القمصان الخضر.
يضيق البعض بالمحللين الذين تكون ميولهم الرياضية واضحة حتى في تحليل مباريات المنتخب، فبينما يقول هذا المحلل أن هدف أحمد الفريدي غاية في الجمال، يأتيه المحلل الآخر ليقول أن هدف هزازي كان أكثر احترافيةً، وفي نظري أن هذا مما يفسد لذة المباريات ويكدر صفوها، لأن الانتماء حين يكون واضحاً وفاقعاً بهذا المستوى لهذا الفريق أو ذاك فإن هذا يعني أن التشجيع للنادي تجاوز حدوده ليصل إلى تلوين المنتخب تبعاً لميول هذا المحلل أو ذاك!
قال أبو عبدالله غفر الله له: أجمل ما في مباريات المنتخب أننا كسعوديين نشعر بوحدة الهدف! ماذا لو أن النخب بكل اختلافاتها ومذاهبها وتياراتها استطاعت أن توجد هدفاً مشتركاً، لعلّ الأهداف الضيقة تخفّ حدتها وتتلاشى أصوات الاختلاف، لصالح أصوات الفرح بإنجاز الأهداف المشتركة، سواء على مستوى الصحة أو الاقتصاد أو النظافة، أو سواها من الأمنيات المشتركة التي لا يختلف عليها اثنان، ولا تنتطح عليها عنزان.