ودّعت السعودية بالأمس التربوي والأديب والشاعر والمثقف والرائد في مجال التعليم عبدالكريم الجهيمان. حمل على ظهره النحيل مجالاتٍ عديدة ناضل من أجلها، لا لنفسه وإنما خدمةً لمجتمعه. منذ أن كانت هذه الأرض صحراء قاحلة وهو يتعهدها بالزراعة والسقاية. كان من أوائل الكتاب الذين طالبوا بالتعليم للمرأة وكان تعليم المرأة حينها خارج سياق الطرح الإعلامي. وعانى من مطالبته هذه ما عانى، وبحسب الأستاذ محمد السيف، فإن الجهيمان: “هو الوحيد الذي فُصلت ابنته ليلى من المدرسة المتوسطة بقرارٍ من رئيس تعليم البنات آنذاك، ومن ثم ابتعثها إلى أميركا وهي أستاذة كيمياء اليوم”.
كان مناضلاً من وطنه حباً لوطنه، قام بجهد علميّ مؤسسي، حين ألف كتبه الكبيرة الموسوعية مثل: “موسوعة الأساطير الشعبية في شبه الجزيرة العربية” يقع في خمسة أجزاء، وعندما ألّف كتابه موسوعة الأمثال الشعبية في عشرة أجزاء. تحظى الأوطان والشعوب عادةً بقلةٍ تكون عادتهم العلمية رصد التاريخ وحفظه، وتعاهد الإرث الذي تتلقفه الألسن من دون أن يكتب. هكذا كان الجهيمان الذي رصد بشكلٍ مدهش هذا الإرث من الأمثال والأساطير الشعبية. وذلك التدوين ليس ترفاً، بل عملا علميّا رصينا، كما تفعل الأمم المتحضرة التي تكتب تاريخها وتدونه خوفاً عليه من الضياع والانطماس.
لم يكن ذا حضورٍ إعلامي كبير، ومع أن أدواره الريادية تم اختطافها من البعض، أو قُزّمت من البعض الآخر، غير أنه وحين يظهر في الإعلام لا ترى فيه إلا شمعةً كبيرة أضاءت طريقاً من العلم والثقافة والصحافة للجيل الحالي.
حين التقاه الزميل أحمد علي الزين في “روافد” منذ سنوات كان يتحدث بلغة العاشق عن وطنه وأرضه. كما أن ريادته في المجالات التي تخصص فيها لم تزده إلا تواضعاً. ومن ثم جاءت الكاميرا عليه وهو يعوم في المسبح بكل النشاط والحيوية يفعل هذا وهو في بحر التسعين آنذاك.
قال أبو عبدالله غفر الله له: بمثل طاقات أمثال هؤلاء الرجال تشعّ المجتمعات وتضيء في حاضرها وماضيها، ولعمري إن الجهيمان رحل وهو لم يأخذ المساحة التي يستحقها، ولا التقدير الذي هو جدير به، ولكنه مات راضياً لأنه لم يكن يعمل ليكرّم بل كان مجتهداً من أجل إضاءة طريق الوطن، أن يضيء لكل “ليلى” في الوطن، كما رعى ابنته ليلى.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.