من المحزن أن يتم استهداف المجمع العلمي المصري. لأن هذه المتاحف والصروح هي التاريخ البشري الذي يمتد لمئات السنين. والأمم الأخرى لديها اهتمام كبير بالمتاحف، لأنها ذاكرة الشعوب بل هي الذاكرة الملموسة، أو التاريخ الذي يلمس ويتعاطى معه ويتعلم منه. المتاحف في بريطانيا سواء كان المتحف العلمي أو متحف الفنون أو سواها حين تدخلها تشعر بهيبةٍ كبيرة، لأن هذا الصرح يضم تاريخ أمة كاملة، بكل عثراتها ونجاحاتها، بكل إخفاقاتها.
حتى في الأزمات أو حتى الحروب هناك أماكن لا تمس. نذكر أنه وفي الحرب الأهلية اللبنانية كانت القنابل والأسلحة تتجه إلى كل مكان، لكنهم لم يمسوا البنك المركزي بأي أذى، لأنهم يعلمون قيمة هذا الصرح، وأثره على اقتصادهم ومستقبلهم، كان البنك المركزي هو محل الاتفاق الوحيد بينهم، مع أنهم يتحاربون ويقتل بعضهم بعضاً في حربٍ أهلية هوجاء.
الذي جرى في مصر تطور غريب وخطير، إذ كيف لأحدٍ من الناس أن يجرؤ على تدمير تاريخ وطنه، أو قبل وطنه وصرحه التاريخي؟!
حسناً فعل حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، المشهور بحبه للكتب والمخطوطات وما يتصل بها، حين صرح قائلاً: “سأقوم بإعادة ترميم المجمع العلمي المصري كاملاً، وبحوزتي بعض المخطوطات الأصلية مثل المجلة الدورية التي تعود إلى عام 1860 وكتاب وصف مصر. سنحضر إلى الدار تلك الوثائق والمخطوطات بسرعة حتى لا تمتد الأيادي إليها، وأعطتنا الحكومة الضوء الأخضر لجلب كل الوثائق في مجلس الشعب والمؤسسات والبلديات إلى هذا المكان لحفظها بالطرق الصحيحة، إن شاء الله نحفظ تراث مصر كما حفظت الأمة العربية، وبذلت الغالي والرخيص ونحن لا ننسى موقف مصر في الكويت وهذا لا يساويه شيء”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: مصر هي الكنز العربي الكبير، وهي موضع الحراك الفكري، وموطن النهضة العربية التي نشطت في القرن التاسع عشر، ومنها برز أدباء وعلماء قادوا مراحل فارقة في تاريخ العرب جميعاً. الخليجيون يعلمون قيمة مصر ويعرفونها فهم شركاء في التنمية، لكن الحاصل الآن في الشوارع المصرية لا يبشر بالخير، ولا يعكس ذلك النور، وليت العقلاء النابهين في مصر يوقفون هذا التطاول على الصروح التي لا تمس ولا توظّف في الصراعات والنزاعات.
أيها المصريون لتكن هذه الصروح الجليلة خارج التوظيف السياسي ولتحرس المتاحف من كل صراع.