يمكن للكثير من الحوارات التي تتجاذبنا رغما عنا هذه الأيام، سواء كانت حوارات جادة أو حتى هامشية، أن تكون مدخلا لرؤية الأخطاء الملازمة لتصرفاتنا تجاه الآخرين والمختلفين. العبارات التي تتبادل أثناء النقاش أو السجال، بعضها يصل حد التجريح والتسخيف والانتقاص، وبخاصة حين يكون الحوار بين طرفين كل منهما يظن أنه أفضل من الآخر. ولم نلتفت إلى فكرة أساسية وهي أن القمة تسع الكثيرين!
فلا معنى للانتقاص من أجل البقاء في القمة.
ثم إن النجاح لا يرتبط بإفشال الآخرين، أو محاولة تحطيمهم أو النيل من ذواتهم، أو ترويج الشائعات عنهم، ذلك أن النجاح نفسه مجرد مرحلة في سياق رحلة الإنتاج، والقمة مجرد كلمة مجازية تعني الوصول إلى مكان مميز في ساحة الإبداع. ولو أننا قرأنا السير الذاتية للكبار في مجالات الإبداع والإنجاز لوجدنا أن الأخلاقيات التي كانت تلازم بعضهم تعبر عن النبل الإنساني أولا، وهذا هو الفرق مثلا بين الشعبية التي يتمتع بها بيل غيتس، وبين ضعف الشعبية لدى مردوخ، كلاهما وصل إلى قمم النجاح المادي، لكن الفرق بين النجاحين أن هناك نجاحات وقمما يصل إليها الإنسان بالحب والنبل، وأخرى يصل إليها البعض بالجشع والطمع وعدم المبالاة بالاحتياجات الإنسانية أو بالأخلاقيات النبيلة.
ثم إن أولئك الناجحين حين يصلون إلى مبتغياتهم لديهم قواعد أخلاقية، وأخرى عملية، والانتقاص والتبخيس والتسخيف لم يكن من بينها، بل كان الاهتمام بنبل الذات وتغييرها وتحسين شروط الأخلاق هي المدخل للنجاح. خذ مثلا قواعد بيل غيتس والتي جاء منها: “قبل ولادتك لم يكن والداك شخصين مملين كما تظن الآن، لقد أصبحا كذلك بسبب مصاريف دراستك وارتفاع ثمن ملابسك الجميلة، والنظر إليك وأنت تكبر يوما إثر يوم، ولذلك وقبل أن تشرع في إنقاذ وتغيير العالم وإنقاذ الغابات الاستوائية من الدمار وفي حماية البيئة والتخلص من السلبية في العالم، اشرع أولا في تنظيف دولابك الخاص، وأعد ترتيب غرفتك. ثم عليك أن تحترم زملاءك وأصدقاءك”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: إن قمم النجاح تتسع للكثيرين، وليس شرطا لمن وصل إلى القمة أن يسقط الآخرين، بل إن قوة النجاح في كونه متعددا في المجتمع، ومن يناقش الآخرين لينتقص من نجاحاتهم أو إبداعاتهم، أو ليقتص منهم فحتى وإن وصل إلى مبتغاه فإن النجاح من دون أخلاق ونبل لا يعتد به ضمن ما يفتخر به الناس شعبيا ووجدانيا، وهذا هو الفرق الأساسي بين غيتس ومردوخ.