لا يكفي أن نضع الأنظمة حتى تكون متبّعةً ومحترمة. النظام له شروط نفسية واجتماعية وثقافية حتى يكون موضع التنفيذ. يشعر الناس باحترام النظام حين يعلمون جيداً أنه ليس حكراً على الأصاغر، بل يشترك معهم في عواقبه حتى الأكابر. أنظمة المرور مثلاً من أكثر الأنظمة انتهاكاً من قبل الناس. ومع كل الاحتياطات التي وضعت، وكل العقوبات الصارمة التي قررت غير أن الحوادث لا تزال كثيرة، ذلك أن النظام لم يصل بعد إلى قناة الناس. وهذه المشكلة يشترك الناس في المسؤولية عنها، وتشترك مؤسسات المحاسبة أيضاً. لأن احترام النظام، يتطلب عنصر التساوي في المسؤولية بين النافذ وغير النافذ.
في إحدى حلقات “طاش” يسرق أحد المتظاهرين بالتدين أكثر من مئتي مليون ريال، ثم يجد مخرجه بسهولة، ذلك أن شبكة العلاقات المحيطة به تحتم عليه أن ينجو بفعلته اتكاءً على ثغرة أساسية وهي نجاة الهوامير وسقوط الأسماك، وبالفعل حين أخذ أحد المستخدمين “آلة كاتبة” مهترئة وبتخويل من مرجعه، وكانت تسبب ضيقاً في المكتب ولا تتجاوز قيمتها مئتي ريال حوسب وعوقب! هذه هي العلاقة بين الناس أمام النظام. إذا كانت السمكة الضعيفة (ويجمع الضعيف بالمحلية الدارجة: ضعوف)، التي تبلع بالكاد قطعة خبز تحاسب بأقسى العقوبات، بينما ينجو الهامور الذي يبتلع الأسماك الصغيرة ذاتها، حينها يكون في الأنظمة المقررة، ومؤسسات المحاسبة، ثغرة لا يمكن سد ثلمها إلا بالجدية في مساواة الناس أمام العقوبة وتساويهم أمام المواد والأنظمة مهما كانوا.
اليوم ومع نجاحاتٍ حققتها هيئة مكافحة الفساد حيث صارت أكثر جرأة، على أن الطموح بها أكبر، نتفاءل أن تكون أنظمة المحاسبة للفاسدين مشجعةًَ على أن ينظف المجتمع أكثر وأكثر من شبكات الفساد والرشوة. حين تتم محاسبة المقصرين والفاسدين ينتشر الصلاح الاجتماعي، وتكون الأنظمة موضع احترامٍ وتوقير، بدءاً من أنظمة المرور، وليس انتهاءً بإجراءات ملاحقة الفاسدين، والمتورطين بالفساد.
قال أبو عبدالله غفر الله له: هلاّ تعاونّا مع الأجهزة العاملة على المحاسبة بشكلٍ أكثر حيوية. هيئة مكافحة الفساد وضعت رقماً مجانياً للإبلاغ عن أي حالة اختلاسٍ، أو أي محاولة فساد، والكثير من الناس يعملون في دوائر حكومية، وحفاظاً على المال العام من عبث العابثين ليتعاون الناس مع هذه الهيئة، حتى يكون النظام واقعاً نراه بأعيننا لا فساداً ينخر في جسد وطننا.