من بين أكثر الكتاب السياسيين تأثيراً على المشهد المصري، خلال العقود الماضية، الأستاذ محمد حسنين هيكل، باعتبار قربه من جمال عبد الناصر، وتوليه وزارة الإعلام، ورئاسة تحرير الأهرام في العهد الناصري، وبعض من عهد السادات.
كان هيكل لسان عبدالناصر، لكن هيكل بعد رحيل ملهمه؛ اشتهر بالتصريحات الغريبة والقصص الخيالية التي يصعب التحقق منها، فهو دائماً ثالث اثنين؛ الرئيس المصري وضيف آخر غالباً ما يكون قد مات. بل لقد كان يكتب عن مقابلات سرية بين زعيمين اثنين. بل وثبت خطأ أخبارٍ كثيرةٍ رواها، من بينها قصة بينه وبين الملك حسين أعلن وزير الإعلام الأردني السابق صالح القلاب أنها خاطئة باعتبار تمايز الزمان والمكان في رواية الحادثة.
المثل العامي يقول: “إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه”، حين ينحّى الإنسان من منصبه تأتيه السهام من كل حدب وصوب، وحين يفتقر أو ينكسر ترمقه النظرات والعبارات، وحين يكون من دون جاه ينفضّ سامر المجلس، الاختبار الحقيقي من يقف معك وأنت منكسر، لا من يطوف حولك وأنت عزيز، وهذا ما ذكرني بموقف محمد حسنين هيكل وغيره من الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك.
الكثيرون صاروا أبطالا بعد رحيل مبارك لكن حينما كان موجوداً لم يكونوا يمانعون من الالتصاق والاقتراب، وهذه خيبة من خيبات الإنسان أن يصمت حين يتوجّب الحديث ويتحدث في ساعةٍ يحسن فيها السكوت، مثلاً هيكل ذهب بعيداً في جلد شخصية حسني مبارك إلى أن وصل به الوصف أن أطلق عليه اسم: “البقرة الضاحكة”! وهذا استهزاء بالمصريين في الواقع أن يصف حاكماً لهم تعاطوا معه، مهما كانت ملاحظاتهم عليه على مدى ثلاثين عاماً!
من جهةٍ أخرى فإن مبارك جزء من النظام الذي جاء بعد ثورة يوليو 1952، وهيكل كان شريكاً في هذا النظام وجزءاً منه، فلا معنى لأن ينتقد مبارك بهذه الشخصنة وهو مثله في الشراكة في حكم مصر بعد ثورة الضباط، كما أن هيكل كان شريكا في هزائم العرب ومصر، وفي التضليل الإعلامي الذي مورس ضد العرب آنذاك، حتى إنه هو ومن معه أسموا الهزائم تلطيفاً لها بـ”النكسات”!
قال أبو عبدالله غفر الله له: هذا هو هيكل يتحدث عن ميت أو رئيس مريض مرتهن للمحاكمة، ولا يثبت من القصص شيئاً.
أستاذ هيكل بكل قدرك المحترم: الزمن تغير، والناس بدأت تميز، لست مضطراً أن تصف مبارك بالبقرة، ويكفيك أن تختلف معه باحترام، وهذا لا يعني أن تتغنى بعدله أو تثبت عبقريته من جهة أخرى، لكن لا تنس أن من وصفته بأنه بقرة، لم يأت بانقلاب على ثورة يوليو، بل جاء من رحمها، رحمنا الله وإياك!