مليار ومئتا مليون ريال أنفقها السعوديون في أسبوع خلال رحلاتهم إلى الخارج. داروا في أرجاء المعمورة براً وجواً. العائلات بطبيعة الحال هي الأكثر استهلاكاً على اعتبار حضور برنامج التسوق والذهاب إلى المولات باستمرار. هذه الإجازة شتوية، بمعنى أن التعذر بالبحث عن “البراد” غير مقنع، بل إن برد لندن وبيروت وتركيا الآن أكثر من برودة طقسنا بمراحل، لكن الأكيد أن السفر هدفه الرئيسي الترفيه والتنزه والبحث عن الرفاهية التامة، وهذا من حق الناس، فأقل حقوقهم أن يتنفسوا، وقد رأيتُ أحد الشباب وهو يطبع قبلاتٍ كثيرة على وثيقة جوازه الأثيرة والمحبوبة التي تدخلك إلى أي دولة تريد أن تسترخي بها، وعلى الرغم من أن هذا التصرف يستبطن الكثير من الإشارات المؤلمة، إلا أنه في ظاهره تصرف بسيط يمتثل فيه صاحبه لتقبيل الوسيلة التي تساعده على تزجية وقت إجازة ممتع بعيداً عن ضغوط العمل ورتابة الحياة، وربما أجواء الكبت الاجتماعي.
لكن لنتأمل السياحة الشتوية هذه! ما الذي تفعله العائلات في السفر؟! سألت صاحبي: هل السياحة تكون من أجل (مول)؟! أليست لدينا المولات الكبيرة والضخمة، التي تحتوي على كل شيء، وبأسعار تنافسية أيضا؟! رد عليّ: لكنك نسيت أن السينما غير موجودة، كما أن العائلة لا تستطيع أن تمشي كاملةً بكل طاقمها في المول، لأن العزل والتجزئة للعائلة من الأنظمة المعمول بها في المولات فمقارنتك منتفية! ثم سألته هل يمكن أن يكون المشي إلى الحدائق أو الشوارع الفسيحة هدفاً للسياحة وإنفاق مئات الملايين؟ أليست لدينا الحدائق وأرصفة المشي الطويلة في مدننا الفسيحة؟! فأجابني: ولكنك تنسى أن العائلة حين تسير في حديقةٍ في عاصمةٍ من العواصم المضبوطة قانوناً تشعر بالارتياح، لأن التحرش جزاؤه السجن المؤلم، والغرامات الكبيرة، كما أن الفتاة مهما لبست لا يمكنها أن تكون فريسةً للمعاكسات، أما عندنا فلسان حال الشاب: هذي كاشخة أكيد تبي أحد يرقمها! بجوابه الثاني هذا أنهى صاحبي المقارنة، وإن كانت النتيجة مؤلمة!
ثم ختمت أسئلتي لصاحبي المدرك للفروق بين ما يبدو أنه مشترك: هل ترى أن صرف مليار ومئة مليون وأكثر على سياحة شتوية لمدة أسبوع “حسافة”، وأن سمننا كان أولى به أن يكون في دقيقنا!
فقال: نسيت أن الملايين الذين سافروا من مجتمعنا كانوا يبحثون عن خيارات طبيعية، جماعها في الكلمات التالية: “الحرية المسؤولة، القانون والانضباط، احترام قيمة الإنسان ذكراً كان أو أنثى”.