استغرب من هؤلاء الثوار في سورية، بكل هذه الشجاعة والبسالة وانكسار حاجز الخوف، بل وتفتت كل شيء له صلة بالخوف أو الذعر، رجالا ونساء وأطفالا يجوبون الشوارع، وسط رائحة الموت، وأزيز الرصاص وسحق الدبابات، تتساءل عن هذه “الحرية”، المعشوقة التي تستحق دفع الحياة لها ثمنا!
من كان يصدّق أن الشعب السوري الذي حُكم بالاستخبارات والسجون على مدى أربعين عاما سيكون بهذه الشجاعة التي هو عليها الآن؟!
كان السوريون يخافون من أقل رجل أمن من أن يودي بحياتهم! كانوا يعيشون بحالة طوارئ ورعب وخوف، حتى إن سائق التاكسي ليثبت ولاءه يضع صورة الأسد على السيارة وربما على المحفظة، فقط لإثبات الولاء والنجاة من نيران الاستخبارات السورية الآثمة. لعل الوصف الدقيق للحالة السورية يكمن بمقولة مولانا الدكتور رضوان السيد أن الشعب السوري على “حد السيف”، وهو كذلك من دون تهيّبٍ أو تخوف. جميل تحليل رضوان، إذ يقول: “ليست هذه هي المرة الأولى التي تنتصب فيها سورية الحبيبة والمناضلة على حدّ السيف. فقد كانت دمشقُ كذلك عندما انطلقت لفتح الأندلس، وكانت كذلك عندما تصدّت لبيزنطة والصليبيين، وكانت كذلك في الأزمنة الحديثة عندما خاضت غمار الثورة من أجل الاستقلال والوحدة في عشرينات القرن العشرين، وكانت كذلك عندما جرى التصارُع عليها بين الخمسينات والستينات من القرن العشرين”!
قلتُ: سورية اعتادت أن تخرج من الأزمات مرفوعة الرأس، فهي بئر الثقافة الإسلامية، وهي مأوى الخلافة، ولن تُسلم إلى ميليشيات البعث، وإن احتلت سورية لأربعين سنة، فالثورة السورية تحرر الأرض من نظام هو ضد الثقافة الإسلامية والعربية، نظام سرق معنى القومية الجميل فجعلها كذبة للإبقاء على نظامه، وسرق الثروات، وسرق حريات الناس، وإنسانية الفرد السوري، وأفسد يمينا وشمالا، بل لقد دمر العراق، وقسم فلسطين، فضرره على الناس لا يمكن وصفه، ولو لم يكن من هذا الضرر، إلا هذا القتل، وهذه المجازر، لكفى لبيان سوئه وسوأته!
قال أبو عبدالله غفر الله له: ستنجو سورية من الأزمات، كما خرجت من حالات حد السيف الكثيرة التي مرت بها طويلا، والطريق صعبة لكنها ستوصل الناس إلى أرض أخرى، والإنسان السوري يعلم جيدا أنه ذاهب إلى الحرية، الحالة صعبة لكنها ليست غريبة على الشعب السوري الذي تدرّب كثيرا على الخروج من أنفاق المعاناة، والنجاة من طاغية يخيرهم بين أن يحكمهم بالحديد والنار، أو أن يسلمهم للموت!