معرض الكتاب يضجّ بالزوار.. معدلات البيع أثق أنها أعلى من معدل بيع أي معرض عربي آخر. الازدحام على جنبات المعرض لافت وبقوة، وحين ترى الذين يزدحمون في الممرات بغية الشراء تتذكر فعلاً شراء الخبز في المخابز، كما قال لي الدكتور رشيد الخيون، فالبيع بهذا الشكل المهول علامة دالة على الجيل الصاعد الذي صارت اختياراته مختلفة. وراهن هذا الجيل على البحث في الكتب التي تثير الأسئلة، وتثير الأجوبة أيضاً، فهو يبحث عن الكتاب الفكري كما الكتاب الأدبي ويحب الرواية كما يحب أي كتابٍ يتناول فكرة تاريخية، أو يصحح مفهوماً دينيا، أو يسد ثلم نظريةٍ علمية، لكن ومع كل هذا الازدحام يتساءل أي متابع: هل الكتب التي تشترى تقرأ؟! البعض يشتري بالكراتين المرصوفة، وبالكميات المهولة.. يخزن من الكتب الكثير، وإن لم يقرأها.. هذا الشراء صحي وجميل وممتاز، لكن السؤال: هل الكتب هذه تقرأ؟! تحتاج فعلاً هذه الظاهرة السعودية إلى دراسةٍ حقيقية، الشراء الرائع، هل تتبعه قراءة رائعة؟!
البعض يقرأ ما يشتري، على اعتبار معرض الرياض فرصة لكنز الكتب “شتوياً” للتفرغ لها بقية السنة، فلو قرأ الإنسان كل أسبوعٍ كتابين فستكون حصيلة قراءته السنوية 104 كتب. أعرف أن بعض الشباب والفتيات وصل بهم نهم القراءة إلى إنهاء كتابٍ كامل يومياً، لكن أنا أتحدث عن المعدل الطبيعي، أن يقرأ الإنسان كتابين أسبوعياً، حينها يكون قد قرأ جزءاً كبيراً من حصيلة المعرض، ثم إن بعض الكتب تشترى كمراجع، مثل الموسوعات والقواميس، وكتب التاريخ الطويلة، لكن الروايات والكتب النقدية والأدبية والشعرية تقرأ في حينها.
المسألة التي أراهن عليها برؤيتي الإيجابية للمشهد أن شراء الكتاب بحد ذاته نقلة نوعية، ذلك أنه يحوّل العلاقة بين الفرد والكتاب من علاقة جفاء إلى علاقة مودة، والبيت الذي لا يضم مكتبة “جياع أهله” فلننثر الكتب في البيت على الطاولات وبالمجالس علّ الإنسان يتشجّع ويقرأ، فالمرحلة الأولى هي شراء الكتاب، والقراءة تأتي بالتدرب والحزم والصبر، حينها تكون القراءة لذة لا يستقيم يوم الإنسان من دونها.
قال أبو عبدالله، غفر الله له: كل ما رأينا من المعرض إيجابي، لن نكون محبطين، أنا أرى الشراء قوة ذهنية ورسالة اجتماعية، وأرى في الإقبال على المعرض خيرا عظيما. ولئن رأى البعض في الشراء حالة من “الاستعراض” فإنني أرى حتى ذلك الاستعراض لمحة إيجابية، لأن المجتمع وصل إلى مرحلةٍ عرف فيها قيمة الثقافة والكتاب.. ولَشراء الكتب وملء البيت بها واستفادة الأبناء والزوار منها خيرٌ من استهلاكٍ أدواتٍ وأشياء لا تغذي العقل ولا تنمّيه.. والله المستعان.