هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في معرض الكتاب الذي اختتم ليل أول من أمس بنجاح في الرياض، أثبتت أنها قادرة على تطوير كوادرها. الابتسامات الموزعة بسخاء، وعدم التدخل بشؤون الآخرين، وعدم الاعتراض على من اختارت أن تكشف وجهها منطلقةً من قول جمهور الأئمة الذين لا يرون في كشف الوجه مخالفةً للحجاب الشرعي، كما يسوق ذلك الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، رحمه الله في كتابه: حجاب المرأة المسلمة. أخذت الهيئة بالقاعدة الشرعية :”لا إنكار في مسائل الخلاف” وهي قاعدة فصلها ابن القيم في كتابه “إعلام الموقعين”. وهي قاعدة أحسب لو أننا عملنا بها لانتهى الكثير من مشكلاتنا. كل صراعاتنا على مسائل خلافية، بدءأً من طلاء الأظافر وانتهاءً بالمسح على الخفين.
الهيئة أبرزت وجهها المتسامح في معرض الكتاب، وقد شهد لها بذلك الذين زاروا المعرض ورأوا تصرفاتهم الحكيمة مع الزائرين والزائرات، خلافاً للعارضين. تلك هي الإيجابية التي أحب أن أثبتها في هذه الزاوية، لأن بعض الناس يظنّ أنني لا أرى إلا نصف الكأس الفارغ. كما أن الهيئة أضاءت للناس المفهوم الحقيقي لإنكار المنكر. وقد ذكر الأئمة خطورة من أنكر المنكر بمنكرٍ أعلى منه. أرى الذين يهاجمون الأصدقاء من الكتاب والصحفيين والإعلاميين يستخدمون مفردات مليئة بالقذف والشتم والقدح بالأعراض، وهذا خطأ فادح، كيف يمكن لإنسانٍ أن يهاجم كاتباً على رأيه في “الغناء” وهي مسألة خلافية باتهامه بعرضه، أو قذفه أو سب أمه، هذه الشتائم وصلت إلى حد القذف الخطير الذي أجمع العلماء على تحريمه، والقذف خصصت الشريعة له الحد الذي يقام على القاذف، هؤلاء ينكرون ما يرونه منكراً بمنكرٍ أقسى وأقوى وأفظع منه. والجهل هو سبب هذا الوقوع في فخ إنكار ما يراه الجاهل منكراً بمنكرٍ خطير وربما بكبيرةٍ من الكبائر.
قال أبو عبدالله غفر الله له: بين نموذج هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونموذج المحتسبين المتبرّعين مسافة من المسؤولية الفردية. حين يخطئ رجل الهيئة فإن المؤسسة التي يرجع إليها تحاسبه، لكن حين يخطئ من يدعي الاحتساب فإنه يلوذ بالفرار، وربما خط برسالة إيميل، أو باسمٍ مستعارٍ في هذا الموقع أو ذاك. أربأ بالنبي عليه السلام أن يكون الدفاع عن دينه العظيم المشع النيّر بالأساليب السوقية، حين يدعي بعضهم دفاعه عن الإسلام بشتم أمهات الناس وأعراض الناس، أو بالشتائم المقززة، ولعمري لو أن النبي سمع من يدعي الدفاع عن دينه بالشتم والسب لتلا عليه قول الله: “وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم”!