بقي السفر إلى الخارج ـ إلى حدٍ ما ـ محصوراً بالنخبة، وخاصة إذا تذكرنا بعض الفتاوى والكتيبات التي تحرّم السفر إلى الخارج إلا لضرورة. وقد انتشرت هذه الفتاوى في الثمانينيات. كان السفر إلى الخارج له خيالٌ سيئ، إذ سرعان ما يتبادر إلى الأذهان تلك الأماكن الخياليّة الممتلئة بعلب الليل، ثم تأتي كوابيس المخدرات والفسق والمجون. تخيّلنا العالم في ضلال. ظن البعض أن الدول الأخرى كلها في الخارج ضالة مضلة لا تعرف ديناً ولا تقيم شعيرة، ولا تصدح بالأذان. كان هذا قبل عقودٍ ثلاثة. أما الآن فعدد المسافرين إلى الخارج يتضاعف. الكل أصبح يخصص جزءاً من راتبه للسفر إلى الخارج.
كان السفر إلى الخارج نخبوياً، يقتصر كثيراً على الطبقة المخملية، لكن وبعد أن انفتحت السدود، وكسرت التقنية كل الحدود أصبحنا نرى الطبقة الوسطى وهي الأكثرية في السعودية؛ أصبحنا نراها في دبي ولندن وبيروت وباريس. البرامج التي تطرحها المكاتب السياحية بأسعارٍ مناسبة باتت مغرية. بمبلغٍ معقول يمكن للزوج وزوجته أن يسيرا في عواصم أوروبية أو عربية. وهكذا. انتصرت رغبة الإنسان الفرد على رغبة مؤسسات سياحية تسير ببطء السلحفاة في الإمكانيات والرقابة. يسأل الناس لماذا أذهب إلى هذه المدينة أو تلك في الداخل لأستأجر غرفةً بسعر غرفةٍ في لندن؟! أو ليس السعي في الأرض هناك أكثر إثارةً وتشويقاً؟! وحق لهم ذلك!
مع الملايين الهادرة والزحف الجرار إلى البلدان العالمية والخليجية والعربية مع كل إجازةٍ طالت أو قصرت، مع الزحف الكبير لابد أن تتساءل هيئة السياحة وكل فروع الترفيه وكل أصحاب المشاريع السياحية الداخلية عن الأسباب؟! هل الملايين هذه على خطأ والقرارات البيروقراطية على صواب؟!
الناس يبحثون عن حرية وخيارات متاحة، عن سينما، عن مسرحيات، عن مقاهٍ مريحة مفتوحة تتيح للجميع الدخول إليها، عن أماكن مريحة وفيها البرامج المتجددة، فلماذا عجزنا عن فتح مثل تلك الأماكن التي يتوافد المجتمع عليها في الخارج؟!
قال أبو عبدالله غفر الله له: السياحة الداخلية عليها أن تدرس نفسها، وأن تختبر عروضها وقوانينها، وكذلك أصحاب رؤوس الأموال ومشاريع السياحة عليهم مراجعة أنفسهم وسخونة أسعار شالياتهم وشققهم، فالناس ليست محتدّة على الخيارات الداخلية، بعد أن صار السفر إلى الخارج أمتع من الماء الزلال في قيظٍ لاهب، وأسهل من شربة الماء!