هناك عداء بين التنمية والبيروقراطية الإدارية. التنمية تحتاج إلى سهولة في الإجراء، وإلى مرونة، وهذا يتطلب نظاماً صارماً، فالسهولة والمرونة حين تكونان من دون أسس نظامية تصبح المشاريع فوضوية. وسبب نجاح المدن العالمية التي تتواكب مع العصر تجاوز البيروقراطية الإدارية، والأنظمة البالية، سواء كانت ماليةً أو إدارية، فهي ليست مقدسة ولا معصومة، ويمكن تغييرها وتجديدها. ولنأخذ العبرة من الآخرين سواء في الشرق أو الغرب، من سنغافورة إلى اليابان إلى الصين إلى أوروبا والولايات المتحدة، بل وإلى دبي. كل تلك الأمم استطاعت أن تنمو من خلال المرونة والسهولة لكن مع الأنظمة الصارمة والواضحة والتي لا تسمح لأحدٍ باختراقها أو التلاعب بها أو استغلال ثغراتها.
من جميل ما قاله الأمير خالد الفيصل قبل يومين في حديثه لأمناء مجالس المناطق بالمملكة: “من أراد أن يعمل فسوف يجد له مخرجا إلى ساحة العمل ليشرف وينسق ويتابع ويدير، وإن الأمير له الحق في ذلك، والمجلس له الحق في ذلك، وأما من أراد أن يرتاح في بيته، ويصرف الأمور إلى غيره، ويحمل المسؤولية الوزارات، ويلوم وزارة المالية، فسوف يستطيع أن يفعل ذلك، ويتجنب المسؤولية، ويرتاح مع أهله نائما راضيا في صحة كاملة ورفاهية عظيمة، ويتطلع إلى بدء الإجازة، وإن شاء الله ألا تنتهي.. ومن خلال تجربته في منطقتي مكة المكرمة وعسير، فإن أبرز أسباب تعثر المشاريع هو العرف والتقليد في الإدارة والأسلوب الذي اعتاد عليه الناس.. أنظمتنا المالية والإدارية ليست قرآنا ويجب تطويرها”!
هذا الكلام هو ما أريد أن أؤكد عليه، الأنظمة ليست مقدسة ولا تأخذ قدسيتها بمرور الزمن، بل إن كل نظامٍ له وقته الذي يتطور فيه، ولا يجب أن يبقى على ما هو عليه أبد الآبدين. كما أن التعذّر بوزارة المالية لا يعفي المسؤولين عن البدء بالمشاريع والمطالبة بها. في كتاب “حياة في الإدارة” للراحل غازي القصيبي، تحدث كيف يكافح من أجل الحصول على ميزانية، وكانت له أساليبه التي تنم عن اجتهاد. لم يكن يستسلم فقط للميزانية التي يعطى إياها من وزارة المالية، بل يحفر الصخر.
قال أبو عبدالله، غفر الله له: التنمية تبدأ بتجديد القوانين، فلا داعي للتعذر وخلق العقبات والاطمئنان لها، وقديماً قالوا: “عذر البليد مسح السبورة”، وما أكثر الأعذار التي توضع بحثاً عن الدعة والركون إلى البطء بدلاً من التقدم والتطور والبدء بمشاريع نوعية خلاقة، فمتى نستوعب هذه الأمور؟!