العبد الفقير إلى الله، مثل غيره من كتاب الصحف، وخاصة اليوميين منهم، يتلقى أسبوعياً مئات الرسائل من القراء الكرام، الذين يحسنون الظن بنا، وتحمل هذه الرسائل بين طياتها، أحياناً، طلبات، لو عرضت على رؤساء دول العشرين، الأعظم اقتصاداً في العالم، لأطرقوا حزناً على عدم قدرتهم على تنفيذ ما فيها من طلبات، بينما يحوي بعضها سطوراً تقطر دمعاً وربما دماً، كما أن في بعضها من الأفكار ما يبز أفكار الكتاب ويتجاوزها.
هذه الرسالة التي سأترككم تقرؤون حروفها من الرسائل المؤلمة. لا أستطيع أن أختلف مع حرف واحد من حروفها، وأبصم على ما فيها، دون الدموع.. أقصد، السطور التي عنونتها كاتبتها بـ(من أنا)؟!
“بضع دقائق غاب فيها العقل وحضر بها شيطان النفس وهواها كانت كفيلة بأن تكتب بداية النهاية لشخص لا يحمل من هويته سوى كلمة إنسان، وليته احتفظ بها، بل تغير مسماها ليصبح (لقيطة).. أي ذنب ذلك الذي اقترفته لأحمل هذا اللقب؟ وأي ضمير غاب وحملني هذا العار؟ نعم أنا فتاة لقيطة، شاءت الأقدار أن تكون بلا أهل، بلا لقب، بلا هوية.. ليس لها عون بعد الله سوى قلوب رحيمة جمعت هذا الشتات في دار أيتام تؤويني أنا ومن هم في مثل وضعي، ولكن الأرض كلها قد ضاقت بما رحبت، فلا تجد سوى نظرات تحمل سؤالا وحيدا وسط دموع حائرة، قد استعصت إجابته: من أنا؟ وأي مستقبل ينتظرني؟
هل من الممكن أن أمارس حقوقي الشرعية في المجتمع؟ هل سأرتدي فستاناً أبيض وطرحةً كغيري؟ ولكن من سيقبل بي؟ وحتى لو افترضت جدلاً أن شاباً من الملجأ قد تقدم لي فكيف أوافق أنا؟! فقد يكون هذا الشاب أخي دون أن أدري، فمن فعلها مرة يفعلها مرات”.
ووسط زحام هذه الأسئلة المريرة والأفكار المتعبة تجتاح عقلي فكرة لو نفذت فسنسدل الستار على معاناة تعددت فصولها وتنوعت أشكالها.. فكرة ستضع حلاً لمشكلة غاب حلها وستكبح جماح ذئاب بشرية هائجة، فأنا أقترح أن يتم أخذ البصمة الوراثية لكل والد ووالدة طفل حديث الولادة، طبعا في الحالات الطبيعية، وأن تحتفظ المستشفيات بهذه البصمات عن طريق سجل خاص لكل مواطن، وأخذ العينات الوراثية للأطفال اللقطاء ومطابقتها بالبصمات الوراثية الموجودة في سجل كل مواطن، وبذلك نضع حداً لهذه الظاهرة.. ولنجيب على السؤال العريض: من أنا؟