دائما ما نكون مشغولين حتى آذاننا باكتشاف الآخرين. لكن بين كتفينا تلك النفس التي لم نولها حق الاهتمام والاكتشاف. بين الغرق اليوميات العادية والذهاب والإياب ننسى أنفسنا. ولهذا دائما ما يوصى بالرياضات الروحية أو الجسدية تلك التي ترد الإنسان إلى نفسه. تجعله في حالة حوار مع ذاته.
في الرياضة الروحية هناك حوار صامت مع الذات. محاسبة لها، محض نصح. إعادة وترتيب، تأمل وتأنيب. وفي الرياضة الجسدية هناك علاقة بين الذات والجسم. يتحرك الإنسان، يعرق الجسد، يركض كثيرا ليكتشف أنه يلهث. ومن ثم لينظر إلى وجهه بالمرآة، طالبا نفسه أن تنكشف إليه. هكذا هي حال الجلوس مع النفس التي يوصى بها دائما، من أجل تجديد الحياة وصقلها وبث الروح فيها.
من بين من نجح في هذا التدريب الثقافات الشرقية، وتطورت أيضا لدى الغرب. الغفلة عن النفس أكبر أسباب الفشل والغرق في الروتين اليومي الذي يمله الإنسان ويتشبع منه. النفس تطلب التجدد. وإذا كان “الإيمان” نفسه يخْلَقُ كما يخْلَقُ الثوب – كما في الحديث – فإن الكثير من الأشياء داخلنا تخلق كما يخلق الثوب. نجدد علاقاتنا بكل شيء حولنا.
نسائل أنفسنا عن أفكارنا التي نحملها، هل تحتاج إلى تجديد. عن أزيائنا، عن الأوقات التي نهدرها، عن البيت، عن الأسرة، عن الوطن. بعض الأدباء يقولون إن “الحب يموت” وهذا قول فيه صحة وفيه خطأ، فالحب يموت حين لا يتم تجديده، وتعاهده بالسقاية والعناية والرعاية، وبعضهم يقول إن الزواج ينهي الحب، والبعض الآخر يقول إن أفضل طريقة لبدء قصة حب هي الزواج، كل تلك الآراء تدور حول الرغبة من الناس بأن لا تأسن النفس بكل متعلقاتها كما يأسن الماء ويتعفّن!
قال أبو عبدالله غفر الله له: من أفضل ما يفعل أن يخصص الإنسان أوقاتا ليكون مع نفسه، ليحاسبها، ويعيد ترتيبها، وتنظيمها. فالإنسان العاقل هو ذلك الذي يرش على نفسه الماء بعد أن ركنت إلى نعاس الروتين أو التقليد وعدم التساؤل أو التجدد. علما أن اكتشاف الإنسان لنفسه بشكل كامل شبه مستحيل، لأن الإنسان في حالة اكتشاف دائمة مع نفسه. وما أجمل ما قاله أبو حيان التوحيدي قديما: “لقد أشكل الإنسانُ على الإنسان”!