لاشك أن العائلات الغنية في السعودية يعيش بعضها حال ضياعٍ وتيه بعد وفاة صاحب المال. حين يموت الأب تنشب معركة بين الإخوة. هذه حالة معروفة كلنا نسمع عنها. وحين كتبتُ عن الشيخ سليمان الراحجي قبل أيام كنت أرمز إلى ضرورة أن يعي الرجل الثري بخطورة الوضع بعد رحيله. عاد الراجحي زاهدا ليعطي أولاده الإرث مقسّما على مرأى منه، فيستمر الحب والوئام. بعض العائلات دخلت بمعارك داحس والغبراء، وكم هو عجيب هذا المال الذي يفسد ود إخوة خرجوا من رحم واحد، ورضعوا من صدر واحد، غير أن الحال تتبدل، ولم يخطئ من قال: “الفلوس تغيّر النفوس”. لكن حين تضبط المسألة تكون الخسائر قليلة.
الخطورة الثانية أن بقاء مئات المليارات من الإرث المجمّد الذي لم يقسم ضمن معارك عائلية يضر الاقتصاد، بعضها مر عليه أكثر من عقود ثلاثة مما يعني أن الاقتصاد سيخسر قيمة هذا المال الثمين، مصانع تفتح، الكثير من المشاريع تبدأ بالتحرك والإنتاج. المولات التي ستغني وتجمل المدينة، المشاريع الخيرية التي تساعد الناس على سد ثغرات حاجاتهم، كل تلك الأمور تغني الاقتصاد لولا المشكلات العائلية التي تأتي بعد موت المورّث. والعجيب أن هذا التجميد لا يمكن بتّه بسهولة، لأن كل طرف سيتمسك بموقفه، من وريث يدعي أن هذه الأرض له، ومن زوجات يخرجن من تحت الأرض فجأة، ومن معترض على البيع، ومن قابل للبيع… إلخ من القصص التي تؤخر توزيع الإرث.
مئات المليارات المجمدة يمكنها أن تضخ ضمن الاقتصاد السعودي لتكون داعمة له، تغني وتثري، وتقلص البطالة، وتنفع الجميع، سبب ذلك التجميد خلاف الورثة.
أيها السادة، قصة سليمان الراجحي جديرة بالاهتمام، ولكن لو وعينا أكثر لعلمنا أن ما فعله الشيخ الراجحي ليس سهلا على النفس، لأن الإنسان دائما يشعر ببعد الموت، وإمكانية الخلود، والأمل رائع بشرط أن لا ينسينا الضرورات التي علينا فعلها قبل الرحيل.
قال أبو عبدالله غفر الله له: بعض الأثرياء في آخر حياته يلهو مع آخر زوجاته، وينسى الذي عليه فعله مع أولاده، وتبدأ الفجوة بينه وبينهم، وبين أولاده وبين زوجته الجديدة التي غالبا تكون لها الحظوة والقيمة العليا، إذ يجد الإنسان فيها شبابه، لكن هذه الغفلة هي التي تجعل النفوس تتضخم فيها الأدران، وتبعد عن بعضها البعض، فليكن درس سليمان الراجحي أمامكم معاشر الأثرياء.