لا مِراء في أن الحوار والتفاوض السياسي بين الدول جزء أساسي من العمل الدبلوماسي، والسياسات والاتفاقيات بُنيت لتكون ثمرة لورش الحوار، ونتيجة الجلوس على الطاولة والتفاهم، لكن المشكلة ليست في امتثال الحوار قيمةً بين الدول المختلفة، بل في كون الحوار ضمن النهج المتبع سياسيًا أم لا، لدى الضفة الأخرى!
رسالة أمير الكويت، لإيران، التي حملها وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد، تتعلق بالحوار والعلاقة بين دول الخليج وإيران، الرسالة كانت حكيمة وواضحة، خلاصتها «أن العلاقات بين إيران والخليج، يجب أن تكون مبنية على ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي الخاص بالعلاقة بين الدول، إننا شركاء في المنطقة، ولدينا مصالح مشتركة وإمكانيات كثيرة، والحوار وتطبيع العلاقات سيعودان بالمنفعة على الجانبين».
الرئيس الإيراني روحاني، رحب بهذه المبادرة، واعتبرها خطوةً إيجابية لتحسين العلاقات، كل ذلك حسن وسائغ، ويفتح كوةً على جدار صلب، غير أن المثل شيء، والواقع له حيثياته الأخرى. لنتذكر شهادة رفسنجاني نفسه، وهو جزء من تأسيس النظام الإيراني، وعرّاب وصول خامنئي إلى سدة منصب المرشد وهو يتحدث عن «نكث النظام الإيراني بالاتفاق الذي أبرمه مع السعودية»، وذلك عبر التدخلات السافرة في شؤون الخليج الداخلية. هناك امتناع من النظام الإيراني عن محاورة خصومه من الإيرانيين في الداخل الذين يقضون أحكامًا جائرةً بالإقامة الجبرية، أو السجن والاعتقال، يحدث هذا مع مختلفين مرموقين مع النظام مثل الرئيس السابق محمد خاتمي، أو بعض أحفاد الخميني، وورثة رفسنجاني، هذه هي العقلية التي تدار بها الأمور داخل البلاد، فكيف يمكن للآخرين توقع ردات فعلٍ أو خطواتٍ تذهب بعيدًا باتجاه الحوار وضبط التدخل، واحترام سيادة الدول؟!
نعم هناك أصوات أقل جنونًا، أو قل «عاقلةً» في إيران، استطاعت دول الخليج التعامل معهم بنجاح مثل محمد خاتمي، وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني، وسواهما، لكن هذه أطياف لا تشكل لونًا فارقًا على لوحة إيران الدموية!
ما يفقده النظام الإيراني هو الواقعية السياسية، لهذا امتاز رفسنجاني عن نجاد وروحاني، وفي مقابلة موقع «جماران» مع غلام علي رجائي، مستشار رفسنجاني يقول عنه: «كان يحظى بميزتين؛ الأولى نظرته الواسعة، فمثلاً عندما كان يقترح حلاً لمشكلات العالم الإسلامي، كان يعرف الواقع الشيعي والسني، فإذا دعا للتقارب والتفاهم مع أهل السنة كانت دعوته على أساس اعتبارهم أشقاء أولاً، وأن الشيعة أقلية في العالم الإسلامي من ناحية العدد ثانيًا. إن رفسنجاني كان واقعيًا، فمن هذا المنطلق استجاب الملك عبد الله بن عبد العزيز لدعوته، وكان يكرر دائمًا أننا توصلنا إلى اتفاقات مع الملك عبد الله، وشكلنا لجانًا لكل المشكلات في المنطقة والعالم الإسلامي من قبل القدس ولبنان والعراق ومناطق أخرى، لكن أحمدي نجاد تخلى عن تلك الاتفاقات المهمة كافة».
الخطابات السياسية التي يدلي بها الساسة والدبلوماسيون في القمم الدولية، تتسم غالبًا بالبراغماتية وتوجه إلى الغرب أكثر من كونها متضمنةً رسائل لدول الجوار، لكن العمل العسكري عبر الحرس الثوري يعبر عن سياسة إيران الحقيقية، وعن مشروعها في تصدير الثورة، أما الخطاب السياسي الهادئ كما يجسده وزير الخارجية ظريف، فإنه قشرة لينة على قنبلة قاتلة!
الحوار مع إيران من حيث الفكرة، هو جزء من العمل السياسي لأي دولتين جارتين في العالم، هذا من حيث الفكرة والشكل، لكن على الأرض والواقع، وبقياس الإمكانات والاحتمالات، فإن نجاحه صعب للغاية، لأن أنياب إيران غرست باليمن ولبنان وسوريا والعراق، وأججت للطائفية وقتل الآخرين على الهوية، وعودتها لتكون إيران خاتمي، أو رفسنجاني، تلك المراحل العابرة سريعًا لن يكون أمرًا سهلاً، بل أراه شبه مستحيل في المرحلة الحالية، والملك سلمان حدد سياسة السعودية، وماذا يجب على دول الجوار احترامه، وذلك بـ«الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، بما في ذلك احترام مبدأ السيادة، ورفض أي محاولة للتدخل في شؤوننا الداخلية»، تلك خلاصة سياسة السعودية، دولة الاعتدال.
جميع الحقوق محفوظة 2019