جلس أبو دحيّم إلى أم دحيم ذات لقاء دافيء عمره يمتد لأكثر من خمسة عقود زواجاً، وسبعة عقود من العمر للأنثى وثمانية للذكر، فمارس هوايته الرومانسية السعودية التي اعتادت عليه أكثر مما اعتاد عليها… وضع الراديو إلى جانب أذنه التي كثيراً ما ردد في وصفها:
إن الثمانين وقد بُلَّغتُها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
اختار أبو دحيّم الأذن اليسرى لأنها بخلاف اليمنى، لا تصدر وشوشة تشبه أهازيج مدرج كرة قدم يحتفل جماهيره بهدف ساحق، ولم يكتف بمصدر واحد للأخبار هو إذاعة لندن، بل أخذ يُقلّب صفحات جريدته مبللاً أصبغه بريق لسانه العذب لتسهيل التصفح.
“جولييت”، أو أم دحيّم خلال هذه الأحداث ترقب سكنات “روميو” السعودي، مهوى فؤادها وفارسها النبيل الذي جاء بلا جواد ولا حمار ولا حتى بغل، وتحرص أن تتصادم الأفكار في دفاتر خيالها بحثاً عن موضوع يقرّبها من قلب فارس الحسن والجمال، فسألته كالعادة، لأنه مرجعها الوحيد في فهم كل ما يجري خلف باب دارِهم، بل وكثير مما يجري داخل الدار أيضاً، ولم تجد أنسب من سؤال ساحق ماحق وجهته إلى قيسها. كان السؤال أشبه ما يكون بصاروخ أرض- أرض، عابر للقارات، ليس بالنظر إلى مكان الانطلاق وموضع الهدف، بل باعتبار نوعية السؤال وما اعتادت السيدة الفاضلة أم دحيّم على الخوض فيه من موضوعات.
فما هو سؤال المليون هذا؟
– أبو دحيم وش هالرومانسية اللي مزعجينا فيها هاليومين؟
كان يمكن لأي عارف بأحوال أبي دحيّم أن يتبين أثر السؤال عليه، فهو الرجل الجامد بمقاييس “هاليومين”، ومع ذلك فقد استدعى السؤال القنبلة أن يضع شايبنا الجميل الراديو على الأرض ويوقف تقليب الجريدة، ثم يتجه بنظره إلى السيدة حرمه من خلال الفراغ الذي وجه عبره بصره إلى أم دحيّم بنظرة تحمل أمارات الاستغراب والتعجب وعلامات التمييز العنصري وإشارات التفاوت الطبقي، هذا خلافاً لشويتين احتقار (لزوم المرجلة)، ثم قال لها:
يأتي على الناس زمان تحكي فيه أم دحيّم بالرومانسية!
أشاحت الأنثى الخجول أم دحيّم بوجهها عن بعلها الجلف إلى حيث الأرض لتجمع انكسار حي كامل في تقاسيم وجهها الذي رسم الزمان عليه آثار عمر طويل، وسكتت تعبيراً عن موقفها.
أحس الفحل الذكوري بأنه زاد العيار على مؤنسة وحشته بعد قراءة الصحف وتكرار أخبار الإذاعات والقنوات، وصمت برهة لاستعادة دور المُحاضر الذي يعرف كل شيء ويُحدّث من لا يعرفون شيئاً، ثم قال:
الرومانسية كلمة إيطالية الأصل، تعني تأخر المؤسسات في تسديد رواتب موظفيها بدون وجه حق.
لمح أبو دحيّم زوجته وقد بحلقت فيه تعجباً، فزاد:
أصل الكلمة مركبة من كلمتين ولأن اللغة الإيطالية عاجزة وفقيرة، جمعت كلمتين في كلمة، جزءها الأول هو روما، وهي عاصمة ايطاليا. والجزء الثاني: نسية. والمعنى أن روما اللي كانت تدفع رواتب موظفيها كانت تكثر نسيان سداد الرواتب آخر الشهر.
عاد أبو دحيّم إلى حيث كان، وإذا في أم دحيّم خير تناقشه في معلوماته الفريدة.
جميع الحقوق محفوظة 2019