استمتعت بزيارة معرض الشارقة للكتاب خلال الأسبوع الماضي ثلاث مرات، أولاها رفقة زوجتي وأطفالي، والثانية والثالثة برفقة أصدقاء وزملاء من عالم الصحافة والإعلام. وأحسب أن من نعم الله عليّ أن حببني في الكتاب، حتى باتت مهمة التبضع من مكتبة تعدل عندي المكاسب الثمينة، وأصبح الظفر بمؤلف جديد في بابه أو ممتع في أسلوبه وخطابه، أكثر إدخالاً للسرور في نفسي من الظفر بالشاة والبعير، أو الذهب والورق. وأظن أن من لم يستمتع بالقراءة والمطالعة ممن حرم خيراً كثيراً، والناس في ذلك شأنهم في كل باب، فمستقل من الطيبات، ومستكثر منها، ولكل وجهة هو موليها، فاستبقوا الخيرات.
وكان مما ظفرت به من كتب، سيرة زميلنا الصحافي الوراق رياض نجيب الريس، التي خصصها لمسيرته في الصحافة والنشر، ووسمها بـ”آخر الخوارج”، وجاء الكتاب في أكثر من 380 صفحة من القطع الكبير. اختار الريّس أن يكون من الخوارج، بل آخرهم، وقصد بالخوارج من “هم خارج السياق العام والنمط المتعارف عليه في الحياة، أو ربما الخارج عن السائد والمألوف”. مع أنه أصر في مدخل الكتاب على أنه “ليس في هذا الكتاب أي شيء شخصي خارج سياق حياتي في الصحافة. إذ ليس فيه فضائح أدبية، ولا مغامرات نسائية، ولا بطولات وهمية، ولا مؤامرات سياسية، ولا تصفية حسابات شخصية. كل ما فيه مرتبط ارتباطاً عضوياً تاريخياً بعلاقتي بمهنة الصحافة، كما عرفتها ومارستها وعانيت منها وعانت مني”!
والعبارة الأخيرة اختارها المؤلف- الناشر ليطرّز بها غلاف الكتاب الأخير، للدلالة عليه، وهي حكم على الكتاب رأى زميلنا رياض أنه أحق بإصداره على كتابه من القارئ المسكين الذي تجشم عناء قراءة الكتاب الضخم ودفع عليه مالاً من قوت يومه وعياله!
لا شك أن رياض الريس صاحب قلم رشيق، وتجربة صحافية مهمة، لكنه برأيي على الأقل وإن لم يملأ الكتاب بالبطولات إلا أنه وزعها على معظم فصوله، ومن حقه أن يفعل ذلك، لكن ليس من حقه أن يشترط شرطاً ولا يطّرد في تحقيقه.
تحدث الريّس عن صباه وملاعب طفولته ونشأته وعمله في “الصياد”، “المحرر”، “الحياة”، “النهار”، “المنار”، “المستقبل”، “الناقد”، و”شعر”، بالإضافة إلى تجربة نشر الكتب من خلال داره، رياض الريّس للكتب والنشر، وعن تنقله بين لبنان ولندن والخليج العربي.
لكن اللافت أن الكتاب الذي صدر في ديسمبر الجاري 2004 لم يتحدث عن تجربة مجلة “النقّاد” التي أسسها رياض وتوقفت في 2003 بعد صدور وجيز، ومع أن المؤلف وضع ما أسماه هامش اعتذار لعدم الكتابة عن النقاد، برره بأنها لم تتحول إلى ذكرى بعد، وقال إن مراسم الدفن لم تتم وشهادة الوفاة لم تصدر بعد. ولا ندري كم يحتاج الأستاذ رياض من عام لتتشكل الذكرى عنده، وهو الصحافي النشيط، والكاتب الحاضر الذهن الموثق بالمعلومة، وإن كانت انتقائية؟!
طرح رياض الريّس في كتابة سؤالاً: هل هو سوري أو لبناني؟ وأجاب على طريقة تلازم المسارين الشهيرة، بقوله:”لا أحد يعرف تماماً! نصف اللبنانيين يعتقدون أنه لبناني دون أن يعترفوا بلبنانيته. ونصف السوريين يعرفون أنه سوري دون أن يقروا بأهليته. في رأيه هو أنه نموذج مثالي لنتاج مقولة:”شعب واحد في بلدين” التي استخدمت وراجت على ألسنة سياسية عدة في السنوات الأخيرة”.
الكتاب رغم الملاحظات العابرة ممتع، وكان لافتاً أن مؤلفه قدّم للكتاب بشجاعة مفرطة عندما انتقى مقولة الزعيم العمالي البريطاني أنورين بينان” كل السِّير الذاتية.. أكاذيب”.
[email protected]
جميع الحقوق محفوظة 2019