بوصفي سعودياً، وليس لي علاقة بالتجارة، حيث كانت الغرف التجارية السعودية المكان الوحيد الذي تجري فيه الانتخابات في المملكة، فإن علاقتي بالانتخابات سماعية، على غرار ثقافتنا العربية، مستحضراً ما يطرأ في مخيلتي عندما تتصاعد كلمة الانتخابات إلى مسمعي، استناداً إلى تجارب أشقائنا العرب الذين أتاحت لهم حضارتهم خوض غمار الانتخابات قبلنا نحن السعوديين.
كان المشهد مليئاً بالتـِّسْعات، والإشارة بالتأكيد إلى النسبة التي كان الزعماء العرب – ولا زالوا- يحصلون عليها في انتخابات رئاسية، هي مباراة فيها لاعب واحد فقط هو الحاضر على الدوام، وحتى بعد انتهاء ساعات الدوام، ساهراً على راحة الشعب!
كنت في صغري أتساءل: من هو هذا المواطن، الذي أفسد اكتمال المئة لتبقى النسبة تسعاوية حتى الثمالة 99.99%، وكم عجبت من حرية هذه الأنظمة عندما لا تعلق هذا المواطن الطالح على المشانق جزاء فعلته الشنيعة.
مع الزمن تبين لي جهلي، فلا مكان لغير الصالحين في ديارنا، ربما – فقط- لأن وجودهم يفسد القاعدة: (مثلما تكونوا يُوَلَّ عليكم).
ثم فتح الله علي بعد ذلك فعلمت أن عدم اكتمال نسبة الـ 100% يعود لكوننا قوماً يمثل الحسد ركناً ركيناً في ثقافتنا، وفارق النسبة بين 99.99% و100%، كالبخور الطارد للعين، أو أنه بمثابة الجملة الأثيرة: (خمسة وخميسة في عين اللي ما يصلي على النبي)، وخمسة هنا من باب التمثيل، وإلا معاذ الله أن يصل هؤلاء إلى ما يزيد عن جزء من جزيء، أشبه بتحلة القسم.
ثم زاد الملهمون في أمتي، فاكتشفوا أن الـ 99.99% نسبة لا تليق بالعظماء، وأن إيراد الحسد لا وجه له، فمن يحسد نفسه؟! والزعيم نفس كل مواطن، بل هو أقرب إليه من أنفاسه. وجاء الفتح العربي الذي يضاهي اختراع العرب للصفر، ويفوقه تصفراً وتصفيراً، بحصول الرئيس المخلوع صدام حسين على 104%، تصديقاً لقول المثل الشعبي العتيد: “يا أرض أنهدي ما عليكي أدي”، وذلك في آخر انتخابات رئاسية أجريت في العراق قبل العهد الأميركي.
تساءل بعض الجهلة من أمثالي عن الأربعة في المئة التي تزيد على 100% متعجبين، ونسينا أو تناسينا أنها تكمل النقص عند باقي الزعماء الذين كانوا من أنصار التسعات المتراصة، من باب تأكيد كوننا: أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة!
واليوم، تخوض السعودية أول انتخابات، تتمثل في الانتخابات البلدية التي سيختار الناخبون نصف أعضاء مجالسها، دون أن يكون لثقافة التسعات أي علاقة في الموضوع.
وجاءت نسب تسجيل قيد الناخبين ضعيفة في المدن الكبرى، فمدينة الرياض ذات الأربعة ملايين نسمة لم يسجل في قيد ناخبيها سوى نحو 150 ألفاً وهو ما يشكل نسبة ضئيلة جداً، حتى مع استبعادنا النساء اللاتي لن يصوتن، أو من هم دون السن القانونية للانتخاب. لكن مدن الأطراف شهدت إقبالاً جيداً.
غاب الكثيرون نخباً وعوام عن الحضور في هذه الانتخابات لأمرين في تقديري: أحدهما أن الحملة التي سبقت الانتخابات لم تتواكب مع الحدث، ولا مع حداثة الفكرة بالنسبة لشعب يشكل أكثر من 70% من عدد سكانه أعماراً أقل من 30 عاماً. أما السبب الثاني ففي ما تبقى من الصورة النمطية لثقافة التسعات التي أطنبت في شرحها أعلاه يكمن الكثير من السبب، والله أعلم.
جميع الحقوق محفوظة 2019