تروي قصص التراث أن جحا كان يسير مع ابنه داخل السوق، وقد اتخذا من حمارهما وسيلة نقل لهما· ركب جحا على الحمار بعد أن أتعبه المشي وأضناه السير، وجعل ابنه يمشي إلى جانبه وهو راكب، فتأملهما الناس ورمقوهما بأنظارهم، واتبعوا سهام النظرة بسهام التعليق قائلين: انظروا إلى هذا الرجل الذي لا يرحم صغيراً، ركب الحمار واستمتع بالراحة، وترك ابنه الصغير المسكين يسير على قدميه، أهذه صنيعة أب رحيم رؤوم؟! أين الشفقة والرأفة التي يبدو أنها نزعت من قلب جحا·
يبدو أن جحا كان سمّاعاً لكلام الناس، فنزل من الحمار، وآثر ابنه ليركب على الحمار، ويستمتع بالنقل جالساً بدلاً من السير، وسار هو على قدميه إلى جانب ابنه الراكب وحماره المركوب·
واصل الناس رمق جحا وابنه وحماره بأسهم عيونهم، واتبعوها بسهام التعليقات ثانية فقالوا: أين البر بالوالد من تصرف هذا الولد العاق الذي آثر نفسه على والده فركب مركباً وثيراً على متن الحمار، وترك والده الرجل الكبير يسير راجلاً؟!
هل هذا جزاء الأب أن يسير على قدميه ويعاني من التعب والنصب، بينما الابن مستمتع بالركوب على الحمار؟!
أراد جحا أن يوقف حديث الناس السلبي عنه وعن ابنه وعن حمارهما، فأومأ إلى ابنه أن اركب معي على الحمار، ففعل الابن، وأردف جحا ابنه على ظهر الحمار، فلم يتوقف الناس عن رمقهما بأعين النقد والانتقاد، وقالوا: أي رحمة هذه التي نزعها الله من قلب هذا الرجل وابنه؟! ألا يرحمان الحيوان، حيث أثقلاه بركوبهما سوياً على ظهره؟!
واصل جحا وابنه النزول إلى أحاديث الناس، والتواكب معها، والتأثر بها، فنزل ابنه عن الحمار، ولم يركب أحد منهما عليه، بل سار الابن والأب إلى جانب الحمار·
واستمرت أسهم الناس ترمق الثلاثة، الحمار، وجحا، وابنه، وتبعت سهام النظر سهام الحديث، فقالوا: أي حمق هذا، وأي غباء لدى هذا الرجل وابنه، يمشيان راجلين، ويتركان حماراً إنما وجد ليركب عليه، يسير دون أن يركب عليه أحد، ومالكه وابنه يسيران على قدميهما!
يقال إن جحا وابنه حملا الحمار على ظهريهما، وخرجا من السوق احتجاجاً على حديث الناس عنهما، هذا الذي لم يتوقف عن نقدهما في كل حالاتهما مع الحمار راكبين وراجلين وبين بين!
ويحكى أن أصل القصة أن ابن جحا قال لأبيه ذات يوم: يا أبتي ما للناس ينتقدون عليك أشياء وأنت عاقل ولو سعيت في مجانبتها لسلمت من نقدهم! فرد جحا بالقول: يا بني إنك لم تجرب الأمور وإن رضى الناس غاية لا تدرك، فدخل مع ابنه والحمار إلى السوق!
فلما خرجا من السوق قال جحا: يا بني سمعت كلامهم وتعلم أن لا أحد يسلم من اعتراض الناس على أي حالة كان···
هذه القصة الأسطورية، تدل على أن من يرخي أذنه للناس، لن يجد غير التذبذب في الأقوال والأفعال، والتأرجح في المواقف من الأشياء، لأن رضا الناس كما قيل قديماً غاية لا تدرك، مهما بذل المرء وسعه واستنفد طاقته وجهده ليصل إلى هذه الغاية، ويبلغ هذا الهدف الذي يسعى إليه·
إذا لم تكن على حال بيّن ميلانه، فلا تعبأ كثيراً بحديث الناس حتى لا تكون كحال جحا وابنه والحمار··
جميع الحقوق محفوظة 2019