محمد بن سرور بن محمد الرشيدي، طفل لا يكاد يبلغ عامين اثنين من عمره المديد بإذن الله···
هذا الطفل ذو وجه متهلل··· كان وجهه خلال أسبوع مضى، منذ الثلاثاء الماضي، يحمل جملة من علامات الاستفهام، مختلطة بالكثير من إشارات الحزن والتعجب!
كان محمد الذي لم يبلغ حتى الأربعة والعشرين شهراً من عمره، يمضي بخطواته المتعثرة، لا يلوي على شيء، سوى سؤال متعثر··· متعثر في ظهوره من فمه الصغير الناضح براءة وطفولة وإنسانية غضة···
تعيق هذا السؤال، كلمات محمد بن سرور، المتشبث بطفولته المسكوبة على تقاسيم وجهه الغض، تلك التي توشك على صناعة الكلام، لتقول لفظاً، لا يفك شفرته إلا من يعايش هذا الطفل صباحاً ومساءً···
”بببا بببببا···”·
إذا كان علماء الطب والنفس، يجمعون على أن أول كلمة ينطقها أطفال العالم، هي ماما، في استجابة طبيعية لأثر الأم العظيم على المولود، فإن ثاني كلمة بطبيعة الحال يمكن أن ينطقها طفل في هذه الدنيا، هي: بابا···
كان محمد، الذي لم يبلغ بعد تمام العامين من عمره، يحاول··· أن ينطق بابا···
يسعى أن يستظل بغمامة والده!
يتمنى أن يستند إلى ركن ركين، هو الداعم لا لطفولته فقط، بل لإنسانيته··· ذلك، الذي كان من أوائل مصطلحات العولمة، قبل أن يتفيهق أساتذتها بالحديث عن أصولها، ويُنظّر أباطرتها لاشتراطاتها وعوامل تجميعها لأكثر فئات البشر··· إنها الكلمة التي يجمع عليها كل أطفال المخلوق البشري، شرقياً كان أم غربياً··· شمالياً، كان أم جنوبياً··· أياً كان جنسه، وأياً كانت جنسيته، وأياً كان عِرقه، وأصله وفصله، فكلنا لآدم··· وآدم من تراب؟!
ترى لمَ قال النبي صلى الله عليه وسلم:”كلكم لآدم، وآدم من تراب”؟!، إن لم يكن يشير إلى قيمة الوالد، وأهمية الأب! إنها ذات اللقطة التي استطاعت أحاسيس محمد الرشيدي أن تستجيب لها خلال الأسبوع الماضي، وهو يحمل هاتف والده، سرور الرشيدي، الجوال، ويكرر كلمته الطفولية: ببببابا!
كان محمد يتساءل: من سرق والدي؟!
أين من كان يلاعبني؟ أين من كان يداعبني؟!
أين من كان يحنو عليَّ؟!
ألم تفكروا يوم خطفتموه مني أني بحاجة إليه؟
حاجة طبيعية عبر عنها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والذي تزعمون أنكم على نهجه يوم قال: كلكم لآدم!
لم يقل عليه السلام: كلكم لحواء!
ألا تعون لا أبا لكم؟!
كان محمد الرشيدي يقول لكم: هل يكفي أن أتعلق بهاتف والدي الجوال؟! هل سيكفيني هاتفه الذي كان يقذف لي بصوته الحنون وهو يداعبني عبر ذبذبات الاتصال؟ هل يكفيني هذا الجهاز الصامت عن جسد والدي، ونبضه وحديثه وسكوته؟!
لك الله يا محمد بن سرور الرشيدي!
لك الله يا قرة عيني···
لك الله··· أبثها لك، من الولايات المتحدة، وتفصلني عنك عشرات الآلاف من الكيلو مترات، قطعتها لأرافق والدتي المريضة··· أقولها لك وكلي خجل وأنت تفقد والدك -رحمه الله- لأني لا أملك لك سوى هذه الكلمات···
أقولها لك وأنا خجلان منك يوم تعي في الغد أن الذين قتلوا والدك، لم يكونوا إلا أبناءنا···
لست أدري يا محمد إن كان جيلكم، في الغد، سيكون جريئاً، فينفي صفة البنوة عمن يخطئ في حقه، لدرجة أن يقتل إخوانـه، وبخاصــة وهــو يزعـــم أنه يمتثل لأمــر اللــه -معاذ الله أن يكون آمراً بقتل مثل أبيك- لكننا لا زلنا نسميهم أبناءنا، وإن كانوا إرهابيين قتلة، يثيرون الرعب بين الآمنين، ويخلفون بأعمالهم القبيحة حسرة في قلب غض كقلبك، وقلب أخويك عمر ذو العشرة أعوام، وعلي ذو التسعة أعوام، دون أن أقلل من مصاب أمك، أو جدك أو جدتك أو أعمامك وعماتك، أو كل من يعرفك···
أقسم أن مصابك يا محمد مصاب عشرين مليون سعودي على الأقل··· جبر الله مصابي ومصابك ومصاب الملايين يا حبيبي·
جميع الحقوق محفوظة 2019