لِتهْنِك السيرة يا مكتوم

هنيئاً لك يا مكتوم هذه الخاتمة، فما من طموح يتمنى امرؤ مؤمن أن يقابل وجه ربه عليه، أكثر من بقاء ذكره الحسن بين الناس· وأشهد أني عشت في دبي خمس سنوات فما سمعت يوماً من يتحدث بسوء عن مكتوم بن راشد حاكم دبي الراحل· أول شيء تسمعه من حديث الناس عن مكتوم، بعد أن يصدر محدثك اسم الراحل بلقبه فيقول لك: أبو سعيد، لا أحد يشبه قلبه الأبيض· 
هل تذكرون قصة النبي صلى الله عليه وسلم يوم كان جالساً في ملأ من أصحابه، فأنبأهم خبر رجل يدخل عليهم وأنه من أهل الجنة؟
عن أنس بن مالك قال: كنا جلوساً مع الرسول فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت فقال: نعم، قال أنس: وكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبدالله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه· فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق· (رواه الإمام أحمد)·
لم يفاضل هذا الرجل غيره بكثرة صيام ولا كثرة صلاة، لكنه فاضلهم بسلامة الصدر، وطيب النفس، وعدم الحسد، وأمنيات خيرة يبثها للناس ذات اليمين وذات الشمال·
وهل كان مكتوم بن راشد رحمه الله إلا ذلك؟!
والله إني لأرجو لمكتوم ما أن يكون وقد سار طيب سيرته وبياض قلبه وصفاء نيته أن يكون من أهل هذا الحديث، أقولها وقد رحل، ولم ألقه في حياتي يوماً، واسأل الله أن يعامله بكرمه وفضله، جزاء قلبه الكبير، وتواضعه مع الناس·
وقد أحسن خلفه وشقيقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عندما بادر فجعل أولى قراراته بوصفه حاكماً لدبي الإفراج فوراً عن 397 سجيناً ممن يقضون عقوباتهم في المؤسسات العقابية والإصلاحية في دبي وذلك إكراماً لروح الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم·