في قضية الرسوم الدانمركية برز سؤال كبير في سياق بحث المشكل، وهو: هل الإعلام جزء من المشكلة أم من الحل؟
إن سياقات السؤال تظهر أن كون الإعلام جزءاً من المشكلة، هو جانب سلبي بطبيعة الحال، وكونه جزءاً من الحل جانب إيجابي بالضرورة، لكننا لنجيب على هذا التساؤل العريض، لابد لنا أن نبني هذا التساؤل على سؤال مهم في سياق منطقة السؤال الأساس، وهو: هل يجب أن يكون الإعلام جزءاً من الحل؟ ثم هل يجب أن نقيم الأشياء على الثنائيات، الخير والشر، والمشكلة والحل، والجيد والرديء؟!
أقول ذلك لأني أعتقد أن بين الصواب والخطأ مساحات شاسعة يمكن أن يقع فيها أحدنا بوصفه إنساناً؛ إعلامياً، أو حتى وسيلة إعلامية!
أعود إلى حيث السؤال الأصلي: على اعتبار أني أحاول أن أجيب عليه، وأرجو أن أفعل؛ أقول: إننا عندما نتحاور مع الدانمركيين يجب أن نظهر بصورتنا الحقيقية بعيداً عن التنميق وتصوير الأشياء على غير واقعها، لجهة تجميلها… فهل نفترض بالإعلام أن يقوم بأدوار خارقة لا قِبل له بها؟
كثيراً ما يتحدث فينا رجال الدين والسياسة والثقافة والاقتصاد، (قلت: رجال، وأضيف على الرجال النساء حتى لا أكون عنصرياً ضد المرأة) وهؤلاء كثيراً ما يحدثونا عن ضعف الإعلام في عالمنا العربي، وعن تقصيره في أداء أدواره! عندما تسألهم: ما هي أدوار الإعلام؟ يجيبون: تحسين صورتنا لدى الآخر؟!
يا سادة، من قال لكم إن الإعلام الحقيقي يمكن أن يجمل صورة أحد؟!
كانت هذه المهمة دوراً للإعلام الدعائي، وقد أثبتت “البروباغاندا” فشلها الذريع، لأن الإنسان اكتشف أخيراً أن الصورة الكاملة والمثلى غير موجودة في أحد، وبات من وسائل التسويق ضمن حملات الترويج للشخصيات العامة إظهارها على طبيعتها البشرية، بل إن هذه الحملات تتقصَّد أحياناً حياكة خطأ ترتكبه الشخصية محور الترويج ثم تصحِّحه أمام المتلقين لتبدو منهم، تجوع فتأكل، وتنعس فتنام، وتخطئ فتعتذر، وتسعى لتصحيح خطئها بعد ذلك كله!
إذاً ما هو الدور الحقيقي للإعلام؟
إنه دور المرآة! هل تعرفون المرآة؟! نعم المرآة ولا شيء غيرها!
إذا كان أنفك طويلاً ونظرت في مرآة نظيفة، فإنها لا تقول لك بأنك ذو أنف قصير. وإن كنت داكن البشرة فإن المرآة لا تقول لك إنك أبيضٌ كاللبن! وإذا كانت أسنانك صفراء من أثر التدخين فلن تقول لك المرآة يوماً: ما نوع معجون الأسنان الذي تستخدمه ثلاث مرات في اليوم لتكون أسنانك ناصعة هكذا؟!
الإعلام انعكاس للمجتمع، لثقافته، فكره، تنميته، اقتصاده، لتناقضاته، ورغبته التي تتشكل من ذلك كله. أكرّر ورغبته. هذا هو دور الإعلام الحقيقي، وبالذات الإعلام الجديد.
مشكلتنا في العالم العربي أننا نعاني من ضمور في التنمية والاقتصاد والتعليم والصحة، ثم نطالب الإعلام بأن يقوم بأدوار لا يمكن لسوبرمان في هذه الحالة أن يقوم بها!
لا يمكن لك أن تقدم إعلاماً متقدماً دون أن تكون في مجتمع متقدم من كل النواحي!
وإذا أصبح مجتمعنا ذاك المجتمع المتقدم على كل صعيد، فلنا أن نضع الإعلام على المقصلة، ولو بدون محاكمة!
جميع الحقوق محفوظة 2019