هل مللت دوامك اليومي؟ وهل سئمت من تكشيرة مديرك كل صباح؟ ومن العمل المُمل، ومن روتين الدورة العملية والأوراق التي تأتي ولا تريد أن تذهب. هل أصبحت سلسلة الاجتماعات لا تنتهي وبلا فائدة في نظرك، وهل بدأت تعتقد أنك صرت تعمل مع لجان تعمل على تكوين لجان أخرى؟! الحل هو أن تنضم إلى الملايين الذين يحلمون بالتقاعد المبكر. نعم التقاعد المبكر! المتقاعدون لدينا يودعون العمل غالباً في سن الستين، في القطاعين الخاص والعام، باستثناء بعض الحالات بالطبع، لكننا بدأنا نشهد مؤخراً شيوع ظاهرة التقاعد المبكر، وهي ظاهرة عالمية في الواقع ولا تقتصر على دول مجلس التعاون الخليجي. أفضل الطرق للحصول على تقاعد مبكر كما يقول الخبراء هو الادخار وتنظيم المصاريف منذ اليوم للسيطرة على تكلفة العيش المرتفعة، والتوجه نحو الاستثمار طويل الأجل ولكن بحذر وبمشورة. وعندما نقول استثماراً طويل الأجل بحذر ومشورة فهذا يعني أن تقفل محافظ الاستثمار في سوق الأسهم هذه التي تضارب بها، ولا تضرب إلا دقات قلبك لتتسارع، وتضخ الدماء في جسدك بما يرفع الضغط والسكر والكولسترول السلبي. قرأت عن تجربة أحد موظفي شركة إكسون النفطية الأميركية والذي استقال من عمله قبل تسع سنوات عندما كان في سن التاسعة والثلاثين، وقضى جون جرييني بقية حياته في لعب الغولف وفي تشجيع الآخرين على الحذو حذوه من خلال موقع على الانترنت عنوانه “تقاعد مبكراً” نشرت عنه مجلة “التايمز” في أحد أعداد عام 2004 وأوردت نصائح وأفكاراً لمن ينوي التقاعد المبكر. أنصحكم بداية أن تصرفوا النظر عن فكرة الغولف، فالأجواء عندنا تطبخ التمر، ولا حاجة لكم بأن تطبخوا أجسادكم في الغولف، ولكن هناك هوايات محلية مناسبة، كالصيد، وقضاء الأوقات في الصحراء، وتعلم هوايات جديدة ومثيرة! يقول جريني بأنك عندما تتقاعد في سن أصغر ستتحمل تكاليف أكثر لكن بالتنظيم الجيد كالعيش بعيداً عن المدن الكبيرة المكلفة ستتمكن من ترتيب مصاريفك أسهل مما تظن وتنعم في الوقت ذاته بوقت ممتع تقضيه مع عائلتك. التقاعد المبكر يسبقه الادخار المبكر والاستثمار المبكر، وهو أمر أعتقد أنه غائب تماماً عن تخطيطنا المالي في الخليج، هذا على الرغم من وجود العديد من البرامج الجيدة التي تطرحها المصارف الخليجية والتي تروج للادخار الأبيض الذي يدفع لليوم الأسود، إلا أن الإقبال في بلادنا عليها وعلى العكس مما يحدث في العالم ضعيف جداً. أتدرون لماذا؟! لأننا جميعاً نلهث وراء أوهام الربح السريع، فلا نحن الذين ربحنا بسرعة، ولا نحن الذين استثمرنا بشكل معقول على المدى الطويل، وصرنا مثل معيّد القريتين الذي ابتغى وليمة العيد مع قرية أبعد من قريته، فلما وصلها، إذا بالموائد فارغة، وعاد إلى قريته، ففرغت موائدها، وطارت الطيور بأرزاقها! أعود للتقاعد المبكر وأبشر الراغبين بالانضمام للنادي بأنهم لن يروا زحام الصباح بعد اليوم ولن يستنشقوا عبير العوادم ومهاترات القيادة في المدن الكبرى المكتظة، وستبدأ يومك على فنجان قهوة وجريدة وريموت كنترول بدلاً من عبوس الزملاء وسيل المعاملات، وستكون لـ”صباح الخير” التي تسمعها كل يوم معنى آخر، كالمعنى الذي تحصل عليه ببرنامج مختلف كل يوم عما كان عليه في اليوم السابق.
جميع الحقوق محفوظة 2019