سيبقى لبنان! أعرف أن هذه حقيقة أجزم بها، وليست مجرد تفكير رغبوي أخضع له لأني أحب لبنان، الذي علمني الحب والأنسنة والثقافة، وقبل ذلك، مهنتي؛ قسيمة حياتي: الصحافة! حدثنا التاريخ، بذلك… قال لنا إن إنسان لبنان، لم يفق غيره، بمال، ولا بجاهٍ، ولا بثروة… كما فاقه، باحترافه صناعة الحياة، ومحبة العيش، وقدرة البقاء، مع إضافة المتعة بفن على هذه الحياة. لبنان؛ الذي صدّر الفن، والثقافة، والحضارة، والعيش باحتراف، إلى كل عالمنا العربي، وإلى العالم كله، قادرٌ على أن يتجاوز المحنة، وعلى أن يحولها إلى منحة… اللبنانيون، الذين يعيش منهم خارج لبنان أكثر ممن يعيش داخله؛ قادرون على أن يعيدوا إلى لبنان جماله الذي تغتاله هجمات الهمجية الإسرائيلية، وانسياق البعض إلى تلبية أجندات آيديولوجية، لا علاقة للبنان بها… استمعوا إلى ما تقوله “نايلة تويني”، سليلة البيت العريق صحافياً وثقافياً وسياسياً… ابنة جبران، شهيد لبنان، والمهنة والحرية، وحفيدة غسان، أستاذ الصحافة و”النهار”: “نعم إن لبنان منكوب، نعم إن اقتصادنا مشلول، نعم إن وضعنا مأساوي إلى أقصى الحدود، لكن لن تُغرقنا دماؤنا في الشكوى والدموع ولن تُحرمنا أحزاننا من قوة الأمل ومناعة الصمود”. إنها تتحدث بلسان من عرف بلاده وأهله، تعرف لبنان جيداً فتتحدث عنه قائلة:”إنه لبنان، إنه امتداد لستة آلاف سنة من الحضارة والقيامة والإشراق. إنه الوطن الرسالة، ولن يسقط أمام العدو الحاقد على تاريخنا ووجودنا ومستقبلنا”. ثم تتناول الخيارات المتاحة أمام لبنان واللبنانيين فتقول ابنة البضعة عشر ربيعاً: “لا خيار لنا سوى الوحدة والصمود والقوة والأمل… يريدون أن يُعيدونا عشرين سنة إلى الوراء ولعلهم فعلوا ذلك وأكثر، لكن مهما عدنا فلن نصل إلى زمانهم البربري الوحشي. إن عودتنا تفتح لنا من صفحات التاريخ رسالات الإيمان وتمنحنا دروس التمسك بالحرية والأرض”. سيعمر اللبنانيون لبنان، كما عمروها مرة وثانية وثالثة، وسيعودون بالجمال إلى وطنهم، ولن يعيقهم التهجير ولا النزوح، فقد أصبح ثقافة أصيلة عندهم، يعرفون كيف يتعاطون معه، بل يعرفون كيف ينجحون في كل بلاد الأرض التي تطأها أقدامهم. وسيغنون من جديد: راجع… راجع يتعمر… راجع لبنان. نعم سيغنون، وسيرقصون، كما فعلوا مع كل الحروب السابقة، فها هو “بول تيوز” مراسل رويترز الذي قام بتغطية مهمات صحافية مختلفة في الشرق الأوسط واستقر به المقام أخيراً مديراً لمكتب رويترز في طهران، أراد أن يقضي إجازة مع زوجته في بيروت فحاصره القصف الإسرائيلي فكتب موضوعاً أكد فيه قدرة اللبنانيين على الحياة من خلال الحديث عن مدينته المفضلة: “بيروت… الأفضل في الشرق الأوسط، قصفٌ ونبيذ…ونغمات البيانو!”. “بول” كان أحد المراسلين الأجانب الذين غطوا الحرب الأهلية اللبنانية(1975-1990) ونقل تعجبهم عادة من قدرة فنادق بيروت على تقديم خدمات كي الملابس والنبيذ الفاخر حتى في ذروة القتال…”والآن ها نحن هنا نجلس في شرفة حانة فندقنا نستمع إلى عزف على البيانو بينما تسقط الصواريخ على منطقة سكنية نطل عليها”. لهذا كله، فإن بيروت (ست) الدنيا… لأنها تعرف كيف يجب أن يتحول مزاجها من حال… إلى حال!
جميع الحقوق محفوظة 2019