نحن أمة العرب، من نعتقد اعتقاداً لا يخالطه شك، ولا يرتقي إليه جدل، أننا خير خلق الله أجمعين، وأن فضلنا على سائر البشر أمرٌ غير خاضع لنقاش، ولا قابل لجدل، ولا قابل لأخذ ورد، ننسى أو ربما نتناسى، أن الأرقام التي لا تنطق عن مزاج، ولا تتحدث إلا بالحقائق، تفضح سوأتنا، وتكشف ورقة التوت الرقيقة الشفيفة التي نحاول أن نستر بها عورة واقعنا الثقافي والفكري والإنساني والإنمائي. لقد فعلت بنا تقارير التنمية الإنسانية العربية الأفاعيل، لجهة الفضائح التي تدلي بها معلومات ما تيسر من الواقع المؤلم، فما نكأت فينا جرحاً، ولا حركت ساكناً، ولا زلنا نكرر مآثر الفخر بتميزنا، ونجتر الأمجاد الآثرة، وإنْ لم يبق منها إلا سطور في كتب لا تُقرأ، ربما من باب حرصنا على أن لا نقلق الغبار الذي يعلو هذه الكتب! اليوم أحدثكم عن أرقام مفزعة أخرى، قدمها لي صديق مهتم بالإنترنت، ورصد ما يكتب فيه بلغتنا العظيمة، العربية. فما كدت أُنهي وصلة فرحي بتطور ترتيب اللغة العربية بين مستخدمي الإنترنت في العالم حيث تقدمنا إلى المرتبة العاشرة ضمن أكثر عشر لغات عالمية في الإنترنت بحسب موقع إحصاءات الانترنت العالمية، بعد أن أزحنا اللغة الإيطالية التي كانت في المركز العاشر، حتى قال لي صاحبي: حسناً، صحيح أن لغة الضاد، التي يتحدث بها أكثر من ثلاثمائة مليون، ويستخدمها بالضرورة، أكثر من مليار مسلم، تقدمت في الترتيب، في استخدام الإنترنت، ولكن هل تساءلت يوماً، ما هو المنشور في الإنترنت؟! مطتت شفتي، ثم واصل: أكثر من خمسة وتسعين في المئة من المنشور باللغة العربية مواد دينية. خمسة بالمئة من المجموع الكلي، هي مواد دينية “تلاعنية” تناحرية يسب فيها أنصار كل فئة الفئة الأخرى داخل دائرة المواد الدينية الإسلامية. يمثل الفكر السُني ما نسبته خمسة وستون بالمئة من مجموع المواد الدينية، نصفها يتبع المدرسة الوهابية الحنبلية. أما النصف الباقي فيتوزع بين المذاهب السُنية الثلاثة الباقية: الحنفي، المالكي، والشافعي، بالإضافة إلى الإباضي، والأوزاعي. ويمثل الفكر الشيعي ما نسبته خمسة وثلاثون بالمئة من المواد الدينية، تتوزع بين ثلاثين في المئة للإمامية الإثنى عشرية، وثلاثة في المئة للزيدية، فيما يمثل الشيخية (أتباع أحمد زين الدين الأحسائي) واحدا في المئة من النسبة الشيعية، وواحدا في المئة أيضاً للخوجة والإسماعيلية والبهرة. حسناً، ماذا عن الخمسة في المئة المتبقية؟! إنها متوزعة بين الفكر اليساري والقومي، وترجمات من الفكر الغربي، بالإضافة إلى ما سوى ذلك؟! ماذا بعد؟! ليس ثمة بعد شيء آخر! لست أعترض على أن تكون هناك خدمة إنترنتية للمواد الدينية، لكننا طبقاً للنسب السابقة، نستخدم الإنترنت للتناحر والتلاعن والتراشق في الغالب الأعم، وما معارك القرصنة الإليكترونية بين السُنة والشيعة، التي نالت مواقع الرموز في الطرفين عنّا ببعيد، خلافاً لكون ممارسيها كانوا ينفخون صدورهم إلى الأمام فخراً، وكأن ما يفعلونه الطريقة الوحيدة المضمونة للوصول إلى الجنة، وهو ما يمكن اعتباره محاولات انتحارية إلكترونية، يبحث منفذوها من جديد عن الحور العين! إن ذلك كله يؤكد أيها السادة الكرام، أن التقنية إنْ لم تكن في أيدي الأمم المتعلمة، فإنها بدون أدنى شك ستستخدم لتعزيز التخلف الثقافي والفكري والتنموي، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
جميع الحقوق محفوظة 2019