“نهاية عصر البترول” أطروحة رئيسية في مجال البحث في مستقبل اقتصاد وعمل الدول النفطية، خاصةً بعد أن أثبتت الدراسات المستفيضة أن عصر البترول ليس عصراً أبدياً، وربما كان كتاب (نهاية عصر البترول-التدابير الضرورية لمواجهة المستقبل” من تأليف: كولن كامبيل وآخرين) من أحدث الكتب التي تناولت هذه المسألة بالغة الحساسية والإثارة، كيف يمكن لعصر البترول أن ينتهي؟ وفق الكتاب فإن التقديرات بشأن كمية البترول المتوافرة في العالم مستقبلا متباينة حسب اختلاف المنظور الذي ينظر المرء منه إلى واقع الاحتياطي الموجود من ناحية. ومن ناحية أخرى في اختلاف الأسلوب الذي ينطلق المرء منه في عرض هذا الواقع، ولعل الانتخابات الأميركية الأخيرة كشفت عن استخدام كلمة “الاستغناء على النفط بالتدريج”، وكلمة “استخدام الطاقة البديلة”، قد تكررت لغرض كسب الناخب الأميركي. يتحدث الكتاب من الناحية المستقبلية عن معايير التزود المستديم بالطاقة، حيث أشار “هانس بيتر دير” إلى الإشكالية المبدئية التي ينطوي عليها تعريف مصطلح “الاستدامة”، فهو يؤكد أن المستقبل مجهول على نحو مبدئي، ومن هنا، فإننا قادرون بثقة معينة على تحديد ما هو غير مستديم فقط، وهكذا يتعين على المرء أن يحاول تقييم القرارات وتحديد كل الأمور التي يعلم أنها غير مستديمة، إلا الطاقة التي تشع من الخارج على كوكب الأرض (الطاقة الشمسية). فكوكب الأرض لا يشكل من حيث الطاقة نظاماً مغلقاً مستقلا بذاته، وفي هذه الحقيقة تكمن الأسباب التي جعلت في الإمكان نشأة الحياة على كوكبنا الأرضي. من هنا نلمح دقة ووعي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة في هذه المسألة حينما أصدر مرسوماً اتحادياً برقم 37 لسنة 2009 يقضي بالتصديق على ميثاق تأسيس الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “إيرينا”. وتعتبر الإمارات أول دولة تودع وثيقة التصديق على تأسيس الوكالة في خطوة طموحة تشير إلى قوة دعم الدولة والتزامها بتأمين حلول الطاقة المتجددة لجميع الدول سواء المتقدمة أو النامية منها، هذا بالإضافة إلى إنه إذا ما نجحت أبوظبي في استضافة “إيرينا” سيكون مقر الوكالة في مدينة “مصدر” الخالية من الكربون والنفايات، والتي ستُغذى بالكامل من الطاقة المتجددة في وضع الوكالة بوسط المركز العالمي الجديد المتخصص بالطاقة المتجددة. إن تجديد وسائل التعامل مع الإمكانات التي تمنحنا إياها الطاقات البديلة من القرارات الملائمة لهذه المرحلة، صحيح أن احتياطيات البترول في الخليج احتياطيات ضخمة، لكن التسويف في معالجة الممكنات القادمة يعني إهمال رسم استراتيجيات ضرورية ربما تنقذ الأجيال اللاحقة، وهذا هو معنى كلمة “استراتيجية” التي تدل على: خطط أو طرق توضع لتحقيق هدف معين على المدى البعيد اعتماداً على التكتيكات والإجراءات الأمنية في استخدام المصادر المتوفرة في المدى القصير. ويمكننا بكل أريحية اعتبار هذه الخطوة التي تهدف إلى تنويع مصادر الاستفادة من الطاقة بعداً استراتيجياً سيؤثر إيجابياً على المدى القصير أولا ثم على المدى البعيد. نأمل أن تكون استضافة أبوظبي بداية لبث مناخات أخرى تساهم في التطبيع مع الطاقة البديلة بدلا من الاعتماد بشكل رئيسي على البترول، لن نكون متشائمين كثيراً كما هو حال بعض الباحثين الذين ضمهم الكتاب -رغم جودة تحليلاتهم- لكننا سنرفع منسوب الأمل في أن تكون الطاقة البديلة هي المجال الرحب للتخلص من الاعتماد المستديم على عنصر معدني واحد، وأن نستفيد في التشغيل والتنمية والاقتصاد من تلك الطاقات المتاحة. ويكفي أن مدينة أبوظبي هي التي تحتضن هذا المشروع الذي سيكون تشغيله يوماً معروفاً في التاريخ إنه يوم عقد العزم على التخلص من أسر الاعتماد على مجال طاقة وحيد.
جميع الحقوق محفوظة 2019