لا يمكن لإنسان أن يتمنى شيئاً في هذه الحياة أكثر من أن يتمنى حياة سعيدة، وإذا سألته عن أعظم شيء تبحث عنه فسيكون جوابه: أبحث عن السعادة، هذه المفردة العجيبة صارت موضوع كتابات كثيرة منذ زمن بعيد، وانتشرت مقولات كثيرة تؤسس للسعادة، بل حتى النبي عليه السلام وضع وصفاً وتعريفاً للسعادة حينما قال: “من عاش آمناً في سربه معافى في بدنه يأتيه قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها”، ذلك الحديث ضم قاعدة هائلة مفادها أن السعادة لم ترتبط بالكماليات، بل ارتبط الشقاء بالبحث عن الكماليات، فيضيّع الإنسان ما بين يديه من وقت للسعادة يضيعه في البحث عن الكماليات التي لن تغيّر من مشوار بحثه عن السعادة شيئاً، ذلك أن السعادة مرتبطة دائماً بالرضا عن الذات، وما أقل الذين رضوا عن ذواتهم. في كتاب “السعادة من دون عناء” الذي ألف بالاشتراك من قبل: مارسي شيموف وكارون كلاين، طبع عن دار الكتاب العربي 2009، تضمن الكتاب سبع قواعد للسعادة، بحيث تكون هي الانطلاقة الرئيسية لتنقية الذات من شوائب الخذلان والإحساس بالغبن، وتلك القواعد باختصار كالتالي: 1-خذ زمام سعادتك، ركز على الحلول من أجل اكتساب مزيد من القوة الشخصية وركز انتباهك على النواحي الناجحة وابن عليها من أجل تحسين أي أمر شئت، وتوصل إلى المصالحة مع نفسك. 2-لا تصدق جميع أفكارك، عبر تحققك من صحتها، وتخطي الأفكار المزعجة المثبطة، وتوجيه الفكر باتجاه الأفكار المفرحة. 3-سلم أمر القيادة إلى قلبك، مركزاً على الشكر، وممارساً سمة العفو والصفح، واحرص على نشر المحبة بين الآخرين. 4-اجعل خلاياك ترقص فرحاً، حاول أن تتناول الغذاء السليم، وحرك طاقة جسمك بالرياضة. 5-افتح خطوط اتصالك بالروح، واحرص على أن تعيش روحك في واحة من السكون من خلال التأمل وقضاء وقت مع الطبيعة، وانصت إلى ضميرك الداخلي، وثق بما تحمله لك الحياة. 6-عش حياة هادفة، مكتشفاً ميولك الحقيقية، وساهم في تحقيق الأمور الكبرى، مهما كان حجم المساعدة فيها. 7-ازرع علاقات طيبة مع الآخرين، عبر الشكر والامتنان لمن هم بقربك، وأحط نفسك بهم كمساندين وداعمين، وانظر إلى العالم وكأنه عائلتك. تلك هي الخلاصة التي تضمنها الكتاب، ولا يمكن أن يدعي أحد أن كتب عن السعادة القول الأخير، ذلك أن السعادة لا يمكن أن يصل الإنسان إلى حلها كما يصل الرياضي إلى حل معادلته، فالسعادة شعور، وأكثر الأمور غموضاً المسائل المرتبطة بالشعور أو اللاشعور، فهي في عداد الغوامض، لكن المفكرين وعلماء النفس حتى اليوم يعتبرون الوصول إلى وصفة مترابطة للوصول إلى الشعور بالسعادة هي شغلهم الشاغل. إن وهم البحث عن سعادة مطلقة هي التي أودت الناس بالكوارث، عبر الولوغ في الممنوعات، كالمخدرات بالذات، التي أكلت أجساد أجيال من شبان العرب، لمجرد هروبهم من واقع يتمنون تغييره وإصلاحه. إن السعادة مسألة نسبية، كما هو مستوى الرضا عن الذات، في بعض الأحيان يرضى الإنسان عن ذاته بنسبة عالية فيرقص فرحاً بما قام به وبما أنجزه، وفي بعض الأحايين يكره الإنسان ذاته، إما لأنه وقع في خطأ ما، أو لأنه ارتكب ما وخز ضميره وآذى شعوره، لهذا فإن البحث عن السعادة مرتبط بالذات أولا، أن تعرف ما ذا تريد بالضبط، ما الذي تسعى إليه؟ إن أجبت على هذا السؤال بإمكانك أن تسير في مشوارك الطموح ستشعر أن كل لحظة تمر تقربك مما تصبو إليه من إنجازات، ستقضي وقتك في أمر هادف، مستشعراً عظم الطريق الذي تسلكه، فالحياة إذا كانت تقضى بالتوافه تصبح مملة وبطيئة، حتى لو كانت تلك التوافه ممتعة، لكن الحياة تعني الكثير فقط للذين رسموا خططاً لحياتهم من أجلها يعيشون ومن أجلها يعملون.
جميع الحقوق محفوظة 2019