من أشرس الأمور التي تؤرقني ظاهرة “العبث بالطفولة” مهما كانت الذريعة؛ وأوضح تلك الانتهاكات ما تمارسه بعض الأوساط العربية من استهانة بشعة بأجساد القاصرات، عبر تزويجهن للمسنين الطاعنين، أو حتى لغير المسنّين، وهي مشكلة إنسانية بحق، يجب أن نأخذها بشكل جدي لمعالجتها وإيقافها. فلا شيء أعنف من اغتيال براءة الطفولة لصالح نزوات بعض منتكسي الشهوات من الرجال الذين نزعت عن قلوبهم الرأفة والرحمة. نقلتْ جريدة (الرياض) مؤخراً أن رجلًا سعودياً يبلغ من العمر ثمانين عاماً عقد قرانه من فتاة قاصر في الحادية عشرة من عمرها، في منطقة بريده (شمال السعودية). هذا الزواج أعاد إلى الواجهة قضية “زواج القاصرات”، الذي انتشر بشكل كبير في معظم مناطق السعودية، وتم طرحه بشكل مكثف في وسائل الإعلام مؤخراً، وكتبت عنه من قبل في مواضع متعددة. وطالبت بتأسيس حملة عنوانها “خلوها تلعب”. لكن كبار السن يريدون اللعب بأجساد صغيرات لازلن يبحرن في سن الطفولة البريء. نحن نطالب بوضع ظاهرة زواج القاصرات ضمن أولويات القادة والزعماء، أن يوقفوا العبث والجرم البشع الذي يستساغ من قبل هؤلاء، ويشترك فيه مجموعة من الناس، يسهّلون على الشخص جنايته، ابتداء من والد الطفلة، إلى مأذون الأنكحة الذي يبرم العقد من دون أي رادع، وليس انتهاءً بذوي الطرفين الذين لا يرفّ لهم جفن وهم يرون مأساة إنسانية ماثلةً أمامهم. الدكتور عبد الرحمن الصبيحي تحدث عن هذه الظاهرة بوصفها “شذوذاً جنسياً”، وانطلاقاً من خبرته العلمية يصنّف هذه الرغبة على أنها “غير سويّة”. ونحن كلنا نتفق معه من ناحية اجتماعية أيضاً. هذه الظاهرة تنتشر في السعودية واليمن بالذات، ومن المهم الوقوف في وجهها، ولا ندير ظهورنا عن الدراسة التي وجه ديوان رئاسة مجلس الوزراء بإعدادها في أبريل 2009 حينما اهتزّ المجتمع لانتشار هذه الظاهرة البشعة. لأنني أرى أنها اغتيال علني لبراءة الطفولة، وتهديد لكيان الأنثى الإنساني الذي يجب أن يُحمى، فهذه الوردة التي تمنحنا نسيم الحياة ورحيق الاطمئنان، يجب أن لا تكون لقمة سائغة لكل هؤلاء الجياع. الباحث إسلام بحيري طرح مؤخراً بحثاً مميزاً، تحدث فيه عن عدم صحة زواج النبي من عائشة وهي ابنة تسع سنين، وذكر في بحثه الذي عنونه بـ” زواج النبي من عائشة وهى بنت 9 سنين.. أكذوبة” ونشر في موقع “اليوم السابع” أن النبي تزوج عائشة بعمر الـ (18) سنة على التقدير الصحيح، وليس (9) سنوات. منطلقاً من آليات تاريخية أخرى غير التي سادت. يقول بحيري في البحث: “عمر السيدة (عائشة) بالنسبة لعمر أختها (أسماء بنت أبى بكر-ذات النطاقين-تقول كل المصادر التاريخية السابق ذكرها إن (أسماء) كانت تكبر (عائشة) بـ(10) سنوات، كما تروي ذات المصادر بلا اختلاف واحد بينها، أن (أسماء) ولدت قبل الهجرة للمدينة بـ (27) عاماً، ما يعني أن عمرها مع بدء البعثة النبوية عام (610م) كان (14) سنة، وذلك بإنقاص من عمرها قبل الهجرة (13) سنة، وهي سنوات الدعوة النبوية في مكة، لأن (27-13= 14سنة)، وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها أكبر من عائشة بـ (10) سنوات، إذن يتأكد بذلك أن سن عائشة كان 4 سنوات مع بدء البعثة النبوية في مكة، أي أنها ولدت قبل بدء الوحي بـ 4 سنوات كاملاً، وذلك عام (606م), ومؤدى ذلك بحسبة بسيطة أن الرسول عندما نكحها في مكة في العام العاشر من بدء البعثة النبوية كان عمرها (14) سنة، لأن (4+10=14 سنة)، أو بمعنى آخر أن عائشة ولدت عام (606م), وتزوجت النبي (620م)، وهى في عمر (14) سنة، وأنه كما ذُكر بنى بها-دخل بها- بعد (3) سنوات وبضعة أشهر، أي في نهاية السنة الأولى من الهجرة وبداية الثانية، عام (624م)، فيصبح عمرها آنذاك (14+3+1= 18سنة كاملة)، وهي السن الحقيقية التي تزوج فيها النبي عائشة”. هذه القراءة جديرة بالاطلاع، لئلا تكون الرواية السائدة عن زواج النبي لعائشة هي المعمول بها، خاصةً وأنها وردت في صحيح البخاري، إنها مشكلة ومعضلة إنسانية أن تستغل الأحاديث والرويات لتبرير النزوات. وهذه المعضلة نضعها أمام المهتمين والباحثين، حمايةً لكل طفلة من بطش كل جائع.
جميع الحقوق محفوظة 2019