سيد قطب من أكثر الأسماء الإشكالية في عالم الكتابة التحريضية على العنف. تم طرحه خلال العقود الماضية كجناح أدبي لجبهات القتال، وترددت قصائده كأناشيد لدى جماعات العنف المسلح، ولا شك أن كتاب “معالم في الطريق” من أكثر الكتب التي غدت “مانفيستو” للمتطرفين من المسلمين. كل تلك المعلومات العامة تم طرحها خلال العقود الماضية، وبالذات العقد الأخير الذي ضم أحداثاً إرهابية ضخمة صدمت العالم. لكن هل يمكننا أن نتناول سيد قطب من وجهٍ آخر، وبطريقة أخرى. وبخاصة أن سيداً لم يكن مجرد اسم متطرف، بل كان عبارة عن تاريخ أدبي ونقدي حافل قبل أن يختط مسار التهييج على العنف. لقد كان جزءاً من السحر الذي نثره سيد على عيون الشباب المسلمين في أنحاء العالم براعة أسلوبية وأدبية نادرة، كان لأسلوبه مفعول السحر الآسر، الذي لم يستطع الشباب الإسلامي الفكاك منه. حلمت كثيراً أن نقرأ وجهاً تأويلياً مختلفاً لسيرة سيد قطب تتجاوز المطروح، إلى أن وجدت المفكر المصري: حسن حنفي، قد كتب عن سيد قطب، طربت لفكرة أن يكتب مثل حنفي المفكر صاحب المشروعات الضخمة في نقد التراث، ومساءلة القضايا الكبرى والصغرى في الفكر الإسلامي، أن يكتب عن سيد قطب الذي مات وهو يمثل ذروة الكتابة المتطرفة العنيفة. مجرد العثور على هذا اللون من التناول، أمر مثير للاهتمام، حيث كتب حسن حنفي مقدمة لديوان سيد قطب الشعري، المطبوع عام 2008 عن مركز الناقد. كتب عنه سبع صفحات، قرأ خلالها سيد قطب باختصار من خلال مراحله المتعددة. رأى حسن حنفي أن سيد قطب: “له جوانب متعددة طبقاً لمراحل حياته، فهو الشاعر الرومانسي في العشرينيات … والناقد الأدبي في الأربعينيات … والمفكر الإسلامي في الخمسينيات … ثم المرحلة السياسية 1954-1965 وفيها أسوأ ما كتب (معالم في الطريق) الذي كتب وهو في السجن تحت آلام التعذيب الذي يكفر فيه المجتمع ويقسمه إلى إسلام وجاهلية”. يصر حنفي انطلاقاً من موضوعيته على ضرورة عدم تناول سيد قطب بوجه واحد، وسحق بقية مراحله الأدبية والفنية الأخرى، وتحويله إلى صنم الشر، الذي لا يمكننا الاستفادة منه في مجالات أخرى. يرى حنفي أن:”قسوة التاريخ وظلم الشاعر والناقد والمفكر هو رده إلى مرحلة واحدة 1954 ونسيان ربع قرن من الإبداع الشعري والنقدي والفكري ورده إلى كتاب واحد (معالم في الطريق) الذي هو حرقة سجين معذب. وقد نسيت جماعته أيضاً المراحل الثلاث الأولى، ولم تتذكر إلا المرحلة الرابعة باستثناء المخلصين”. ظاهرة التحيز في تناول الشخصيات في الكتابات العربية مؤلمة؛ إما أن تكون لوحة الجمال المعصومة، أو صنم الشر المطلق، إننا لا نتناول الشخصيات بكل حمولتها التاريخية، وتحولاتها، وإنجازاتها، وإنما نتناولها من جوانب ما تشتهر به. يكمل حنفي عتبه على تصنيم سيد قطب كوحش مطلق بناء على إحالته للمرحلة الخامسة من حياته ويقول: “لولا دخوله إلى السجن عام 1954 وتعذيبه لما كفر المجتمع … ولولا سفري إلى فرنسا وعودتي بعد عشر سنوات، وعيشي في جو طبيعي لما كتبت (من العقيدة إلى الثورة)، ولا (من النقل إلى الإبداع)”. يقارن حنفي بين ذاته هو وبين ذات سيد قطب الذي عانى الأمرين من التعنت السياسي والاستبداد الخطير، الذي لا يطرق إليه غالباً من يتحدث عن تطرف سيد قطب ومرحلته التكفيرية. إن سيد قطب له مراحله المتنوعة، ووجهه الآخر، وتاريخه الطويل، وأحسب أن تناول مرحلة واحدة من مراحله فيه جناية موضوعية، لقد كان أديباً وشاعراً رومانسياً متأثراً بالرومانسيين الألمان وتأثر-كما يقول حنفي- بفخته وشلنج كتب قصائد عن: (الحب، والجمال، والأطلال، والكأس المسمومة). كان على اطلاع بتفاصيل الفكر العالمي، إنها شخصية جديرة بالدراسة المتكاملة، وهو العمل الذي قاربه “لورانس رايت” في كتابه الضخم “البروج المشيدة” الذي ترجم مؤخراً 2009 إلى العربية؛ والذي سأقف عنده في مقالات قادمة، إنها الموضوعية التي حضرت في التنظير وغابت في التطبيق؛ ما أحوجنا إليها … تلك الموضوعية الموعودة.
جميع الحقوق محفوظة 2019