تناقلت وسائل الأنباء العالمية خبر منع الرئيس الإيراني السابق: محمد خاتمي من السفر؛ هذا الرئيس -الذي يشارك في قيادة تيار إصلاحي لإنقاذ الجسد الإيراني من دمامل التطرف- ليس سياسياً فحسب، وإنما له آراء جريئة كثيرة، يتناول فيها الشأن الإسلامي والعالمي؛ لهذا يمكن اعتبار الحركة الإصلاحية الإيرانية أقل خطراً وبمراحل من التيار المحافظ الذي يسعى إلى تأميم التطرف، وتحويل المنطقة إلى برميل بارود. بإمكان أي متابع إعادة الاطلاع على فكر خاتمي ليقرأ من خلاله الطريق الذي يرى أنه الأكثر سلامة للوصول إلى إسلام معتدل متسامح، يمكنه أن يتواءم مع متطلبات العصر والعالم. ولئن جنحت السياسة بخاتمي لممارسة أخطاء واضحة في فترات ولايته، غير أن السياسي حينما يكون مثقفاً أو ممتلكاً لرؤية لا يمكنه أن يحول الواقع إلى مكان لتطبيق ما يذكره أو يقرأه في الكتب، ثمة مصالح عليا، وقرارات تحركها إرادة النفوذ، وهي إرادة هيمنت على الدولة الفارسية منذ قرون طويلة. غير أن استعادة مواقف خاتمي الأخيرة وتحديداً منذ ظهور نتائج الانتخابات الإيرانية، يجعلنا نرى بوضوح أثر الرؤية الفكرية التي نشرها في محاضراته ومؤلفاته على مواقفه، لهذا بقي معارضاً للهياج السياسي الإيراني الذي يمارس الآن. في كتابين من كتبه أعتبرهما الأمتع مما ترجم إلى العربية له، وهما كتاب: “الدين والفكر في فخ الاستبداد”، وكتاب: “الإسلام والعالم”، في هذين الكتابين يوضح خاتمي موقفه الداعم للحداثة، وإليكم مقاطع من الكتابين أسردها على عجل، يقول: “إن الضرر والأذى يلحقان بجوهر الدين عندما يتصور الإنسان-أياً كان- أن ما يتصوره عن الدين هو الدين بعينه، لأن هذا يعني خنق كل رؤية أو فكرة أو نظرة أخرى. ومن ذا الذي لم تبلغ مسامعه أخبار حملات التكفير والرمي بالفسق، والاصطدامات والحروب التي شغلت مسرح التاريخ، وكانت كلها ابنة هذا الخطأ المميت. وكان المصاب الأول في هذه المعمعة هو الإنسان بعينه”، “صحيح أن الدين شأن مقدس، ولكن لا بد من القبول بحقيقة أن تصورنا له موضوع بشري دائماً”، “إن الحداثة روح الحضارة الجديدة والثقافة المنسجمة معها”، “التقليد هو تجلي ثقافة الأمس وتجسدها في حياة اليوم في وقت تحولت فيه تلك الحضارة وتبدلت”، “إن الإبقاء على التقليد الذي انتهى عصره، يعني فرض إطار ضيق على كيان الإنسان وروحه اللذين يتسعان إلى ما لا نهاية، وإذا تحقق مثل هذا فإنه يعد خيانة بحق وجود الإنسان ويلحق به ضرراً”. تلك بعض رؤى خاتمي، وهي رؤى ينبض بها الكثير من الإصلاحيين والمفكرين الإيرانيين غيره. إن الاعتراض على المشروع الإيراني لا يجب أن يمتد ليشمل الاعتراض على الثقافة الفارسية العريقة، ممثلة بفلاسفة كبار آخرهم :داريوش شايغان، ولا ننسى المفكر المقتول غيلةً: علي شريعتي، كما لا ننسى أن اللغة العربية والسُنة النبوية حُفظت عبر علماء من الفرس. إنها تركيبة تاريخية متداخلة بين الثقافة العربية والفارسية. خلاصة رأيي: أن مشروع إيران مرفوض، لكن الثقافة الفارسية التي تنتج الاعتدال لا يمكن رفضها. وإذا كان الرأي الإصلاحي سينفتح على الآخر القريب والبعيد، ليصنع موقفاً متوائماً مع الحداثة البنّاءة، فإننا حينئذٍ سنقبله بكل سعة صدر، فالإنسان توّاق إلى المجالات الجديدة مهما كان مصدرها. إنني وإذ أستعيد خاتمي طرحاً، وفكراً، أحاول أن أقارن بينه وبين الجنون السياسي والفكري الذي يمارسه بعض القادة في إيران. إن فكر خاتمي فكر متصالح مع العصر متحرر من الخرافة، استوعب جيداً الدور السياسي التاريخي في صناعة “الشيعة” و”السنة”، لهذا بقي بمنأى عن هذا الصراع، هذا هو جوهر الوعي.
جميع الحقوق محفوظة 2019