بكل بساطة، يمكنني أن أعتبر جامع الشيخ زايد أحد العلامات الفنية التي مزجت بين تاريخ الإسلام في الإمارات وبين الزخرفة الفنيّة والدينية. حقق المسجد بجماله معادلةً صعبة، جمعت بين الإبهار والقدسية، بين أن تندهش من نقشٍ هنا، أو لوحة جدارية هناك، وبين أن تكون في ذروة تبتلك وابتهالك إلى الله. كلما زرت هذا الجامع العظيم أجد السياح من كل مكان، يزورون هذه التحفة الفنية والدينية التي لم أجد ما هو أبهر منها بعد الحرمين الشريفين. خلّد هذا الجامع اسم مؤسس الدولة، وكلما زارني صديق قادماً من الخارج أذهب به من دون أيّ تردد للجامع، يتوضأ ثم يصلي ركعتين، نمرّ على قبر الشيخ يستمع إلى قارئ القرآن، ثم نمضي، عادةً تكون الساعة التي تلي زيارة الجامع مخصصة للحديث عنه، وعن الشيخ زايد رحمه الله، ونعمّا هو الخلود أن يرتبط اسم زعيم أمةٍ في جامع استثنائي شكلاً ومضموناً. هذه الحميمية بيني وبين جامع زايد جعلتني أعتبر صدور كتاب: “جامع الشيخ زايد الكبير” حدثاً مهماً. الكتاب صدر الاثنين 22 نوفمبر 2010 ضمت صفحاته الـ28 الأولى عبارات إهداء إلى المغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي يحمل المسجد اسمه، مكتوب على ورق طبيعي مصنوع يدوياً على الطريقة اليابانية ومزخرف بتصاميم من فن الخط العربي المعاصر ومطبوع على شاشة حريرية بأصباغ ذهبية من عيار 18 قيراطاً، في تصميم هو الأول من نوعه في منطقة الخليج. لم أطلع بعد على الكتاب، لكنني سررت بالقراءة التي قام بها الزميل: أحمد أبو الكرم للكتاب، يقول في قراءته: “ويتضمن الكتاب الذي ألفه الأستاذ الفخري في قسم تاريخ الفن بجامعة إدنبره الاسكتلندية روبرت هيلينبراند 5 فصول هي: الشكل والبنية، والتركيبة والمظهر الخارجي، واللون والضوء، والطبيعة والهندسة، وإحصاءات هذا الجامع الكبير”، وذلك في محاولة لإظهار تفصيل جميع الأجزاء الداخلية والخارجية من مبنى الجامع والمستوحاة من أركان الدين الإسلامي، ويأخذ الكتاب القراء في رحلة بصرية غنية داخل الجامع، مسلطاً الضوء على تعقيدات تصميمه التي تزاوج بين البساطة وغزارة العناصر، و”في النهاية فإنه يعتبر معلماً إبداعياً لا يمثل روح العمارة الإسلامية التقليدية والمعاصرة فحسب، بل يعكس رؤية قائد عظيم لشعب متعمق في دينه ومتجذر في تراثه” بحسب المؤلف. أتمنى أن تدرج معلومات هذا الكتاب في الإنترنت، لتعمّ فائدته. قابلتُ الكثيرين ممن زاروا جامع الشيخ زايد، لا يعلمون القصة الكاملة لهذا البناء العظيم، وليست لديهم معلومات كافية حوله، مع أن هناك من يقود الزوار من الموظفين في المسجد ويعطونهم بعض المعلومات. لكن من المهم تسهيل وسائل التعرف على دقائق وتفاصيل هذا الجامع، تُبيّن للناس حتى الذين لم يزوروه تفاصيله، وسعته، وقصص البناء التي تضمنها. أعرف جيداً أن في كل زاوية من المسجد قصة بناء وملحمة تأسيس، لكن يحزنني أن بعض الزوار لم تتح لهم المعلومات الأساسية حول الجامع، وأعتبر هذا الكتاب ربما يكون فتحاً في مجال التعرف على فنّ العمارة، الذي اتخذ لبناء جامع عظيم كجامع الشيخ زايد. لدى كل فرد عربي دين معنوي تجاه الشيخ الراحل زايد بن سلطان آل نهيان، وبمجيئه إلى جامعه هذا يشعر أنه اقترب من روحه، أنه يلامس شغاف صدقه، ويتحسس عمق محبته وكرمه. وانطلاقاً من هذا الحب، نحن سعداء للتعريف بهذا الصرح الاستثنائي. وكتابٌ جميل مثل هذا يمكن أن يكون طريقة أولى لتعريف البشرية بهذا العمل الفني المعماري والديني الجبار. تركي الدخيل www.turkid.net
جميع الحقوق محفوظة 2019