الزمان: النصف الثاني من الخمسينيات… المكان: مدينة العين… الحياة كانت بسيطة والبيوت كانت مبنية سقوفها من سعف النخيل. والأطفال يروحون ويجيئون لعباً وركضاً هم وثلة من البهائم. قال لي صديق إن والدته أخبرته أن النساء كنّ في العين وما جاورها يسقطن أطفالهن، وهم في الشهر الخامس أو السادس من أحمالهن في نهاية الخمسينيات. والأمراض المعدية لم تكن تمهل الناس كثيراً، إذ لم يكن في منطقة أبوظبي كلها آنذاك أي مستشفى. حاكم المدينة، كان رجلاً يتلمس حاجة أهله، ويسعى في قضائها. أدرك أمرين: الأول أن الحاكم قائد، وأن القائد يجب أن يتقدم شعبه، حرصاً عليهم، ودفاعاً عنهم، وادراكاً لمصالحهم وسعياً لها. أدرك زايد بن سلطان حاجة الناس للطب، فدعا طبيباً جاء هو وزوجته ليعيشا حياة ملؤها الشظف في العيش، بغية خدمة الناس، وتطبيبهم. في 1960 افتتح أول مستشفى، منح الشيخ زايد الزوجين الطبيبين قطعة أرض كانت ضمن منزله الذي يقيم فيه هو وزوجته (أم الإمارات) الشيخة فاطمة بنت مبارك. سمي المستشفى (مستشفى كندي) نسبة إلى الزوجين الدكتورين (بيرول وميريان كندي)، اللذين باتا يقدمان خدمات طبية للأهالي، أدت إلى انخفاض نسبة الوفيات للمواليد الصغار أو حالات السقط للأحمال بشكل ملحوظ. قال لي ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، إنه وُلد في هذا المستشفى، وإنه والآلاف غيره كانوا من ضمن الذين ساهمت إرادة الله أولاً ثم الخدمات الطبية التي قدمها الدكتوران كندي، في بقائهم أحياء. لم يكن الطبيبان سوى جزء من الحملات التبشيرية التي كانت تجوب الخليج العربي والهند، وتقدم خدمات طبية للأهالي من المسلمين. بقي الدكتوران “كندي” يقدمان الخدمات للأهالي سنوات طوالاً، ولم يتنصر إماراتي واحد، ولا تحول واحد من أهالي العين وما جاورها عن الإسلام، لكنهم ظلوا يؤمنون بإسلام منفتح، كذاك الذي كان يؤمن به قائدهم ووالدهم المؤسس زايد بن سلطان رحمه الله، ودفعه بغية الحفاظ على مصالح أهله ومواطنيه يدعو الدكتورين “كندي” لتأسيس المستشفى ويشرف بنفسه على دفع تكاليف العلاج عن المرضى بغية توفير الآلات البسيطة والأدوية للمستشفى. مع تأسيس الاتحاد وقوته وتدفق الثروة وسنوات البناء، باتت الإمارات قبلة لجنسيات العالم، حتى أصبحت أرضها تقل ما يزيد على 193 جنسية، من مختلف الأديان والمذاهب والأعراق. لم تمنع الإمارات مذهباً أو ديناً من تأسيس دور للعبادة، ومن بينها الكنائس، فالانفتاح الذي قاده المؤسس بات رؤية ومنهجاً يقوده خلفه الشيخ خليفة بن زايد وبقية الحكام، واستمرت الحكومة تشرف على بناء المساجد، وترعى الدين المعتدل، ومع ذلك لم تسجل الإمارات حالة تحول ديني في مواطنيها من الإسلام إلى دين غيره. لم يترك الإماراتيون دينهم، ولم يتحولوا إلى دين غيره أيام الفقر والحاجة والعوز، فكيف يتركونه في الرخاء والسعة والوفرة؟! بقي الإماراتيون مسلمين محافظين، لكنهم معتدلون منفتحون على العالم كله، وعلى كل صنوف البشر مهما تعددت أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم. أقول ذلك وقد رأيت كيف هاج البعض وماج نظراً لوجود شجرة عيد ميلاد، أو لافتتاح أول أثر مسيحي في الإمارات يؤكد على أن أهل هذه البلاد، قبل ظهور الإسلام، كان معظمهم ينتمي للدين المسيحي، لكنهم باتوا مسلمين كلهم بعد سنوات من وصول الإسلام إليهم. تركي الدخيل www.turkid.net
جميع الحقوق محفوظة 2019