يعيش الإنسان كل حياته وهو يحاول أن يقترب مما يحب، ويتحاشى ما يكره! كل الناس في الطرقات والمطارات والقطارات يبحثون عما يحبون، ويهربون مما يكرهون. البحث عن الخير للنفس والهروب من الشر، الذي قد يحيط بالنفس، هو هدف الإنسان الذي ميزه الله عن بقية الكائنات بالعقل والتفكير والمسؤولية الذاتية. جعله إنساناً ينطق ويتحدث ويعبر ويضحك. طرح الإرث الإنساني الكثير من الآراء حول الخير والشر، فمن راءٍ أن كل خير يضم شراً، وأن كل شر يضم خيراً، إلى من اعتبر الخير يمكن أن يأتي من دون أن يتسبب بضررٍ على أحد، وأن الشر لا يمكن أبداً أن يضم خيراً حتى ما يتصوره الإنسان خيراً هو في الواقع شر محض. لو أن إنساناً طلب وظيفة تقدم عليها ألف شخص، فقُبل للوظيفة دون البقية فسيكون اختياره خيراً بالنسبة له، وشراً بالنسبة للآخرين؛ لهذا فالمسافة بين الخير والشر بعيدة وقريبة في نفس الوقت. ما أراه خيراً قد يراه غيري شراً والعكس. الحياة ليست ثابتة أو مقننة، ولأنها أيضاً لا تسير بالمنطق فقط، بل بالمؤثرات. الحياة مثل الإنسان لا منطق صرف لها، الإنسان تتموج تصرفاته تبعاً لظروفه. يسأل أحدهم قبل أيام كيف يمكن أن يوجد من بين بني البشر من يرى في “هتلر” أو “جنكيز خان” خيراً؟! وكيف يمكن أن تتصور أن بعض بني جنسك يؤيدون هؤلاء الحكام الذين طغوا وبغوا؟! ونسي صاحبي أن الإنسان لديه نزعات كثيرة من الخير والشر. حينما تخاطب الإنسان لاعباً على أوتار الشر والانفعال الذي فيه ستجد ردة فعلٍ مختلفة عن تلك التي ستراها حينما تخاطب نزعة الخير والود الذي فيه، هكذا كان الطغاة يخاطبون نزعات الخير بلغاتهم وخطاباتهم ليسحروا أعين الناس فيقلبوا الباطل حقاً والحق باطلاً، على طريقة:”الكلام اللين، يغلب الحق البين”. لهذا استطاع الطغاة على مر التاريخ أن يُجيشوا لأنفسهم أنصاراً ومؤيدين من أنحاء الأرض، وأن يبرروا العنف الذي يستخدمونه زاعمين أن وراء هذا الشر الصغير خيراً كبيراً فيصنعون بمقولتهم هذه جيوشاً من الأتباع والمناصرين. أن تقتنع بأن شيئاً ما جيداً وأن الشيء الآخر سيء هذه مشكلة عريقة يطرحها المفكرون في “نظرية المعرفة”؛ كيف تعرف سوء الشيء أو حسنه؟ تعجبني فكرة أن الكون كله في مخك وفي ذهنك، وأن تخيلاتك عن الشيء هي التي تجعل منها سيئاً أو حسناً. حينما تقتنع أنك في حالةٍ سيئة يرثى لها ستجد أن حياتك تتبدل تلقائياً وتتغير وبخاصةٍ إذا كان هناك من يؤيدك ويشد على يدك لتكون سوداوياً متشائماً أراد أن يضع حداً لسعادته عبر الاستسلام للسواد. بينما يمكنك أن تكون سعيداً حينما تتلذذ بالأشياء البسيطة حولك، وكما يقول نيكوس كازانتزاكس: “السعادة سهلة نجدها في الأشياء البسيطة من حولنا”. يقول الأديب الارجنتيني الكبير “بورخيس” إن العقل يضم سلسلة من التصورات وأن تصوراتنا عن الحياة موجودة في ذهننا. ويمضي قائلاً:”ليست هناك نفساً خفية خلف وجوهنا لتحكم أفعالنا وتستقبل انطباعاتنا إذ لسنا في النهاية إلا سلسلة من تلك الأفعال الخيالية والانطباعات المظللة”. الكثير من مواقفنا تجاه الأشياء المادية أو الدنيوية أو البشر أو الأذواق ليس موجوداً سوى في أذهاننا. الصور الذهنية هي التي تصنع وتؤثر على حياتنا، فلنُحسن من تصوراتنا للعالم، حتى ولو كنا مثاليين. في كل شخص مهما كان خيّراً وقديساً عالمان من الخير والشر من خير الله وشر الشيطان، فلنعمل على مخاطبة الخير بالخير لأننا لا يمكن أن ننثر الشر في طريق الإنسان ثم ننتظر منه أن يهدينا وردة! دامت تصوراتكم المتزنة تجاه الحياة والسعادة والخير! تركي الدخيل www.turkid.net
جميع الحقوق محفوظة 2019