للدعاة السعوديين موقفهم من الثورات الحالية في البلدان العربية. الكثير من الفتاوى الرسمية وغير الرسمية صدرت من دعاة ومشايخ، بعضهم ينضوي ضمن التيارات الحركية من سروريةٍ أو إخوانية، وبعضهم ينتمي إلى المدرسة التقليدية. من الواضح أن الانقسام كان مهيمناً، الكثير من الدعاة الذين زاروا ليبيا لإلقاء محاضرات أو ندوات تراجعوا ليكونوا ضد القذافي ونظامه. وهم الذين استفز سيف الإسلام من تحول موقفهم ضده، من بين هؤلاء المشايخ الدكتور محمد العريفي، والدكتور سلمان العودة، والدكتور عائض القرني. برروا زيارتهم بأنهم يزورون الشعب ولا يزورون النظام، وبأن نظام القذافي لم يكن مقبولاً، لكن زيارتهم كانت للشعب الليبي لا للنظام، حتى وإن سهّل لهم النظام تلك الزيارات. في البدء بدا الموقف الدعوي السعودية ضرورياً بالنسبة للنظام الليبي، الشيخ العودة قال إن سيف الإسلام اتصل به، والشيخ القرني قال إن الساعدي اتصل به، والعريفي قال إن قيادياً في نظام القذافي اتصل به، وأكد الثلاثة أنهم لم يستجيبوا لطلبات النظام. السبب في رغبة النظام الليبي بالموقف الدعوي السعودي ذلك التشابك الاجتماعي بين السعوديين والليبيين، والذي قاد لتشابه فقهي فيما يبدو، فللدعاة الذين زاروا ليبيا جماهيرية لدى الشعب الليبي. ويرى النظام أن تدخلهم لإقناع الليبيين بضرورة الالتزام بما يمليه نظام القذافي قد يفض التظاهرات ويخمد الثورات، كان النظام حريصاً على مواقف الدعاة السعوديين، بل وأذاعت وسائل الإعلام الليبية الرسمية فتوى قديمة لمفتي السعودية تحرم المظاهرات، كما بثّ التلفزيون الليبي لقطات يتحدث فيها بعض الدعاة السعوديين إيجابياً عن سيف الإسلام القذافي وعن معمر القذافي آنذاك. إن الاستجداء الرسمي الليبي لموقف دعوي وإسلامي سعودي لإنهاء المظاهرات كان واضحاً وجلياً، سيف الإسلام ظنّ أنهم سيقفون معه، ثم حين وقفوا ضده وصفهم بـ”لاعقي الأحذية” أجلّكم الله! الجمعة الماضية في ليبيا تثبت هذا التحليل الذي أكتبه. فخطابا الشرق والغرب الليبي الدينيان الرئيسان كانا سعوديين، فخطيب بنغازي الرئيسي في الساحة الكبرى في بنغازي كان الدكتور السعودي خالد العجيمي، وكان يؤيد الثوار وينصحهم ويدعو لهم ويوجههم، فيما كانت شاشة الجماهيرية من طرابلس تنقل حديثاً دينياً للشيخ السعودي حمود العنزي، يدعو للقذافي ولنظامه، ويعتبر الخروج عليه خروجاً على الحاكم الشرعي، والثورة عليه نزع للبيعة. كان المشهد أشبه ما يكون بالفانتازيا الدينية السعودية، على الأرض الليبية، لكنها فانتازيا تدعو للتأمل والتعجب والدرس. هذا الانقسام والتباين في الموقف الديني من قضية واحدة يوضح مسألةً أساسية، وهي أن الدين، وهو هنا دينٌ واحد، الإسلام، لا يمكن أن ينقسم المتبعون له في قضية أصلية لرأيين متباينين تماماً إلا إذا كان الدين، يستغل في السياسة، سواء أكان هذا الاستغلال معلوماً أو أن الممثلين الأساسيين لهذا الاستغلال لا يعلمون أنهم يمثلون بأدوارهم استغلالاً! تسخير الطهرانية التي تحملها الأديان من أجل النزاعات السياسية، والاحتراب، والاختلاف، هو بالإضافة إلى كونه جريمة أخلاقية، إلا أنه يعود بنا مجدداً إلى التاريخ الأوروبي حيث كان القتل يحدث باسم الله، والخلاف يقوم بسبب الدين. هذا الدين الذي جاء لتهذيب النفوس، فإذا به يكون سبباً لعدائيتها، وطيشها، وخروجها عن الطريق القويم!
جميع الحقوق محفوظة 2019