كلما تأملتُ في مشاهد القتل السوري مع الفرجة الدولية والمنح التي تعطى للنظام السوري أذهب إلى ما هو أبعد من السياسة. أتذكر مقولة ذكرها المفكر اللبناني “علي حرب” حين استضفته في “إضاءات” حين قال:”في كلٍ منا شيء من القذافي” وقال:”كلما قتل إنسانٌ نظيره فزعتُ من نفسي”. تخيلوا أن القتلة هؤلاء في سوريا ينتمون ولو مجازاً إلى بني الإنسان، بينما هم يهلكون الحرث والنسل ويعيثون في الأرض فساداً. الأصل في الإنسان أنه يولد بقابلية على التشكل والتكون. ثم تشكله الثقافة بكل صيغها وأساليبها. فإن كانت الثقافة خيّرةً زرعت الخير فيه، وإن عاش في ثقافةٍ وحشية صار وحشاً. وهكذا. فالإنسان ابن بيئته، وهو نتاج ما صنعت منه التربية. في كلٍ منا نسبة من الخير والشر، غير أن يوميات الإنسان في الحياة تسيّرها الأخلاق، وهي التي تمنع طغيان الشر على سلوك الإنسان. فتجعله مهذباً قدر الإمكان، ومهما أتى من هفوات غير أنها لا تذهب برزانته الأصلية وأخلاقه الأساسية التي يمارسها يومياً ويطورها. الأخلاق هي الإنسان، وكلما تدرّب الإنسان على اكتساب أخلاقٍ جديدة كلما كان أكثر حياةً ونبضاً. والذين لا يضيفون إلى أخلاقهم أخلاقاً لن يستطيعوا مغادرة أساليب الوحشية في التعامل والتعاطي مع البشر. وهذه هي كلمة علي حرب. أننا نحنُ البشر نمارس نرجسيتنا في الأحاديث والكلام حول الإنسانية والطيبة، غير أن ما هو أدهى مما نتحدث به ما يفعله الإنسان في حروبه وجرائمه. عاشت البشرية حروباً كثيرة منذ فجر التاريخ. وبعد الحربين العالميتين أدرك العقلاء أن من الضروري البحث في طرق لإنهاء الحرب. فوجدوا أكثر من طريقة من بينها الهيئات الدولية أو تغليب منطق التفاوض على منطق الحرب. لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، جاءت الحرب الباردة، ثم حروب الخليج الثلاث، ثم ها هي القوى الدولية تعيش في حالة صراعٍ مع نفسها، إما أن تختار المصالح التي تحركها كما تفعل الآن في سوريا، أو أن تتخذ مواقف إنسانية حقيقية تنقذ بها دماء السوريين الأبرياء. تتجاهل تلك الدول المجازر ومشاهد قتل الأطفال، ثم يتحدثون عن الإنسانية وحقن الدماء، هذه هي لعبة اللغة أيها السادة حين تستر ما نعجز عن الاعتراف به! يشرحون وحشيتهم بمنطقٍ إنساني! وكأن السياسات أصبحت ضد الإنسان وضد كينونته وحياته. ثم يأتي كوفي عنان، ويطرح في مجلس الأمن موضوع إرسال مراقبين دوليين، وهكذا. تعطى المهل تلو المهل لمن قتل في سنة أكثر من عشرة آلاف سوري! ولو كان هذا الرقم من دولةٍ معادية مثل إسرائيل لفهمنا ذلك. لكن أن يتجبر نظام يدعي “لغوياً” أنه من أنظمة الممانعة فهذا هو الشيء الذي يخيف الإنسان ويجعله في حال سؤالٍ مع نفسه. الإنسانية تمر الآن باختبارات، إما المصالح، وإما قيمة الإنسان. وللأسف فإن ما نشاهده حتى الآن عبارة عن غلبة للمصالح على الإنسان نفسه. وهذا مما يحزن ويؤلم. مع كل هذا التقدم الذي نعيشه في كل المجالات لا تزال القيم أحياناً تنهار أمام المصالح ولعبة السياسات، وللأسف ينظم إلى تأييد هذا الديكتاتور أو ذاك بعض الدول التي ادعت أنها مع الإنسان وضمن الإنسان وفي الإنسان … وهي معية لغوية فقط بالتأكيد.
جميع الحقوق محفوظة 2019