لاشك أن الدور والتأثير الذي تلعبه التجارب المصرية على بقية العرب كبير أثبتته الأحداث التاريخية. من الناصرية إلى “الإخوانية”. كل الظواهر المصرية أثرت على بقية العرب، وهذا الدور والتأثير هو الذي يجعلنا نناقش الشأن المصري وكأنه شأننا الداخلي، وللأمانة فإن المثقفين المصريين يعلمون جيداً هذه النقطة ولا يستعيبون أن يتحدث الخليجي أو العراقي أو اليمني عن الشأن المصري، بعض الصحفيين فقط من مصر يتحدثون باستغراب عن اهتمامنا في كتاباتنا بالذي يجري بمصر، وأنا لا أستعيب حتى المصري حين يكتب عن الشأن الخليجي أو السعودي بل التأثير متبادل بيننا وبينهم، لكن نشترك بإدانة التناول السيء أو الاستغلالي لأي شأنٍ لأي شعب، حتى لا تكون الأقلام مشحونةً بالمال لتفرغ طاقتها على بقية الشعوب. لهذا فإن عدم التفاؤل بفوز مرسي أخيراً لا يعني أننا ضد الديموقراطية، هناك فرق بين الديموقراطية كمكينة تنتج الفائز انطلاقاً من أصوات الناس، وبين نتيجة الديموقراطية، انتقاد النتيجة الديموقراطية لا يعني انتقاد نتيجتها، بل يعني أننا نريد أن نرقى بخيارات الناس من خلال ثقافتهم ورؤيتهم للواقع السياسي والاقتصادي. والانتقاد هو فعل توعية وهذه مهمة الكاتب، والتوعية تصدر عن الكاتب ليس لأنه الأفضل والأوعى، بل لأنه يريد هو أيضاً ومن خلال كتابته أن يحافظ على أفكاره لئلا تجرّه المواقف العاطفية لنماذج من الانسياق العشوائي لا تبشر بالخير. لا يغضب المصري حين نعتبر فوز مرسي إعاقة للتنمية بمصر، وتأخيراً لكل أشكال التغيير الاقتصادي أو التنموي. لنتذكر أن اقتصاد مصر متعثر، والرئيس مرسي جاء وهو مشحون أيديولوجياً، وفي خطاباته المتعددة المتتالية لم يتحدث كما ينبغي عن مشروعه التنموي، بل فتح مشكلات حركة “الإخوان” مع نظام ما بعد ثورة يوليو 1952، وهذه قصة تاريخية لا يجب على رئيسٍ أن يقحمها في الواقع المصري المعاش. مصر تحتاج إلى الكثير من التنمية ويكفيها القليل من الأيديولوجيا، وخطاب الرئيس مرسي تضمن الكثير من الأيديولوجيا والقليل من التنمية. وهذه مشكلة النتيجة حين تكون بهذا الشكل من الانتماء الأيديولوجي البحت. ما الذي سيضيفه مرسي غير القضايا التاريخية لاقتصاد مصر. لنقرأ هذه الأرقام عن تراجع الاقتصاد المصري منذ 2011. -احتياطي مصر من النقد الأجنبي يتراجع على مدار عام 2011 من 37 مليار دولار عند قيام الثورة إلى 20 مليار دولار فقط في نوفمبر الماضي ، وبنسبة تراجع بلغت نحو 44 في المئة. -وفقدت البورصة أكثر من 50 في المئة من قيمة الأسهم منذ بداية عام 2011، خاصة مع اغلاقها في أعقاب الثورة لأكثر من 39 جلسة متواصلة. -انخفض عدد السائحين من 14 مليون سائح إلى ما لا يزيد عن بضع مئات الآلاف. -تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر بنحو 93 في المئة خلال عام 2011 ليصل إلى 376 مليون دولار حسب تقديرات البنك المركزي المصري. -ازداد عجز الموازنة المصرية إلى نحو 161 مليار دولار خلال عام 2011. هذه الأرقام مخيفة ومرعبة، التراجع الاقتصادي والصناعي والسياحي مسؤولية الرئيس الجديد الذي لا يزال يراوح مكانه ضمن خطاب أيديولوجي ضيق، ولم يرقَ لأن يكون خطاباً تنموياً واقتصادياً، لنقارن خطابات الفوز في أميركا أو فرنسا أو بريطانيا كل مضمونها اقتصادي، عن البطالة ومسائل التأمين وقضايا الديون والأزمة الاقتصادية العالمية، بينما في خطاب الرئيس مرسي غاب المعنى التنموي، ولم تحضر إلا تنويهات تاريخية عن قضايا الصراع بين “الإخوان” ونظام ما بعد ثورة يوليو 1952! الكثير من التنمية والقليل من الأيديولوجيا، والكثير من نقد نتائج الديموقراطية الخاطئة، هذا ما نتمناه لمصر. تركي الدخيل www.turkid.net
جميع الحقوق محفوظة 2019