لم يكن موضوع الاستقرار الذي نتحدث عنه نداً للتطور، بل الاستقرار شرط لأي تنمية من الممكن أن تحدث في أي بلد. والتغيير الذي حاولت بعض الجموع القيام به خلال السنوات الثلاث الماضية لم يكن إلا صناعة فوضى واضطرابات، انهار بسببها اقتصاد مصر وتونس واليمن، فضلاً عن الانهيار الكارثي في سوريا. العجيب أن هناك من يحاول وضع الاستقرار على النقيض من التنمية والتصحيح، كما فعل حازم صاغية في مقالته «الاستقرار دين المرحلة»، والتي تناول من خلالها الاستقرار بوصفه عبئاً على الشعوب والمجتمعات، هاجم صاغية «الاستقرار» بقوة، فهو عنده «مرفوع إلى سوية دين سياسي»، و«الاستقرار الذي يعادل الموت المحض»، واستنكر «كيل المدائح لاستقرار الموت»، وصولاً إلى «أن هذا الاستقرار المزعوم ليس سوى مصنع لإنتاج البربرية مرةً بعد مرة». وقد رأى في فقرة سابقة أن «الاستقرار» هو المسؤول تجاه الطبقات الدنيا من الشعوب عن «توحيشها ونزع إنسانيتها». وهذا ما جعل عبدالله بن بجاد ينتقد صاغية، ولعلي أضيف على النقد نقداً آخر. ورد بمقال صاغية: «التنصل من الثورات وكَيْل المدائح لاستقرار الموت، على ما تفعل أعداد متعاظمة من مثقفي مصر أو فناني الجزائر. إنها، في المقابل، عملية اقتراب من فهم المجتمعي والأهلي، لا تتردد في وضع الأوطان والخرائط نفسها على المحك، وصولاً إلى أوطان– دول قابلة للحياة، والقابل للحياة هو وحده الذي يحتمل الثورات فلا تصيبه بالانهيار، سيما وأن هذا الاستقرار المزعوم ليس سوى مصنع لإنتاج البربرية مرة بعد مرة». من الواضح أن التكوين اليساري لقلم حازم صاغية هو الذي منحه كل هذا البغض للاستقرار والتعويل على الثورة والحراك، وهو الذي اعتبر ما جرى بمصر وتونس وغيرهما «ثورات» حقيقية تشابه الثورات التاريخية في أوروبا وأميركا وروسيا! ومن هنا لا يستغرب أن تمتد آثار اليسار الذي انتمى إليه حازم حيناً من الدهر لتصل إلى تحليلاته بالموضوعات المتعددة التي تمس المجتمعات العربية، والتي يخاف عليها صاغية من «الاستقرار»! نحن في مرحلة مختلفة عن القرون الأوروبية منذ الخامس عشر وإلى الثامن عشر، ذلك أن الآلة البخارية ليست هي معجزة القرن الحادي والعشرين، بل التغيرات التي نشهدها تغير حتى مفاهيم الإصلاح والثورة والديمقراطية. في الخليج ثمة استقرار مهم، لكن لا يمكن لأحد أن ينفي الحالة «الشوروية»، فنظام هيئة البيعة السعودي هو شكل ديمقراطي ضمن مناخ السعودية، وكذلك الانتخابات في الإمارات والكويت والبحرين. ثمة استقرار ضمن مسارٍ تنموي يتحرك نحو المستقبل لا إلى الماضي. الاستقرار ليس موتاً، بل هو الحياة، وليس صحيحاً أن مهمة الإنسان تغيير العالم على حد تعبير كارل ماركس: «ليست مهمتنا تفسير العالم، بل تغييره». التغيير ليس هدفاً بحد ذاته، إلا إن كان تغييراً نحو المستقبل. ما فائدة الحراك الذي تفجر فيه المقابر والمستشفيات والمدارس، وتعود به المجتمعات إلى الوراء عشرات السنين، ويسود فيه الأصولي والمتطرف والقاتل؟! أهذا ما يسعى إليه حازم صاغية من خلال التصعيد ضد الاستقرار؟!
جميع الحقوق محفوظة 2019