شكّل الخليج على مر تاريخ جماعة «الإخوان المسلمين» مطمعاً، وذلك منذ بدايات الهجرة إلى الخليج لغرض بث هذا الفكر الإخواني، الذي كان على يد حسن البنا الذي أراد من الملك عبدالعزيز افتتاح مكتب لـ«الإخوان» بالسعودية، غير أن الملك قال للبنا: «كلنا إخوان وكلنا مسلمون» في ردٍ ذكي على سمّ الأيديولوجيا التي يحملها البنّا! نعم كل المسلمين إخوة في الإسلام، لكن هذا الشعار الذي رفعته الجماعة كان واضحاً في ملامحه أنه يبدأ فعلياً برسم أرض سياسية له، وتجارب هذا الحراك في فلسطين والعراق والسودان وتونس كلها أثبتت أن ما أرادوه ليس الإسلام وإنما السياسة، فهم يستخدمون الإسلام ولا يخدمونه، بل إن هذه الجماعة مستعدة لأن تخالف ثوابت الشريعة مقابل نجاح المشروع السياسي. يروي الباحث عبدالله بن بجاد العتيبي في بحوثه عن «الإخوان» والسعودية وتاريخ العلاقة والتشكل ما يلي: «في عام 1936، توجه حسن البنا للحج أول مرة في حياته. ويشير مؤرخ الإخوان، شبه الرسمي، محمود عبد الحليم إلى هذه الحجة فيقول: (الأستاذ المرشد قد كاشفنا بأن فكرة الهجرة بالدعوة إلى بلد آخر من البلاد الإسلامية يكون أقرب إلى الإسلام من مصر، قد سيطرت على تفكيره وملأت نفسه). ويضيف عبد الحليم نقلًا عن كلمة البنا، بعد عودته من الحج، قوله: (وقد اتصلت بالمحكومين والحكام في كل بلد إسلامي، وخرجت من ذلك باقتناع تام بأن فكرة الهجرة بالدعوة أصبحت غير ذات موضوع وأن العدول عنها أمر واجب). كانت الفكرة أن تنتقل هذه الأيديولوجيا إلى السعودية، ذلك أنها تتمتع بمديونية روحية لدى مليار مسلم وأكثر، ومن خلال مواسم الحج والعمرة أو المنابر التي تمتلئ بمصلين يمكنهم التأثير، غير أن هجرة أتباع البنّا فيما بعد من جيل مناع القطان وغيره، هيأت للأجواء الإخوانية مساحتها في البلاد مع انشغال السعودية بقضايا كبرى في المنطقة، مما جعل نفوذهم يزداد في وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم. كان نفوذهم واضحاً عبر المعاهد العلمية أو الجامعات الشرعية، ونذكر أن من بين من طرح أيديولوجيا «مهجّنة» هي مزيج من العقيدة السلفية والرؤية السياسية الإخوانية المدرّس بالمعهد العلمي ببريدة محمد سرور زين العابدين، والذي درس على يديه مجموعة من رموز الصحوة وما عرف لاحقاً بـ«السرورية». ولا غرابة في أن تكون لهذه التجارب التأثير القوي، ذلك أن المسار التعليمي لم يكن مضبوطاً بالشكل المطلوب. لكن تلك المرحلة ستشهد تحدياً في هذه الفترة مع الوعي الكامل للدول الخليجية وبخاصة السعودية والإمارات اللتين جرّمتا الانتماء لهذه الجماعة وصنّفتاها على أنها «إرهابية»، ونتمنى أن تحذو الدول الإسلامية والعربية حذو هاتين الدولتين الكبيرتين. لقد عاث «الإخوان» فساداً وإرهاباً وعانت منهم الإمارات، ودمروا ما استطاعوا تدميره في السعودية، وآن أوان تجفيف منابعهم حمايةً للمجتمعات والعقول، وللأسر والأفراد. فشل «الإخوان واضح الآن، فالخليج بات محصناً. وكما رجع شيخهم حسن البنا كسيراً مهزوماً، سيعودون إلى بلدانهم كذلك، وما ذلك على الله بعزيز».
جميع الحقوق محفوظة 2019