صباح الاثنين اصطفت الـ«نيويورك تايمز» مع هيلاري كلينتون، تمامًا قبل السهرة التي ستكون بعد انتهائها الأعلى مشاهدة من بين مناظرات المرشحين لسباق الرئاسة الأميركي. اصطفافًا جاء في وقته للمرأة التي كانت تستعد لأن تكون في كامل أناقتها، حين ستقف أمام رجل أحمر، بياقة زرقاء ولسان سليط، تحرك الـ«نيويورك تايمز» كان متوقعًا لمن يتابع الصفحات الأولى للصحيفة الأشهر في الولايات المتحدة الأميركية.
بجذور ويلزية من طرف الأب، اسكوتلندية – فرنسية كندية – الجنسية من جهة الأم، ولدت في شيكاغو، هيلاري ديان رودهام. بـ«عقل ليبرالي وقلب محافظ»، كما ستصف نفسها لاحقًا حين تتقدم المحامية الذكية من أيام المدرسة الابتدائية للأمام. بفستان أحمر كقلب أبيها الذي كان رجلاً شيوعيًا محافظًا، وابتسامة أمها الطيبة – دوروثي رودام – التي ولدت في عام 1919، أي قبل عام واحد من التعديل التاسع عشر في الدستور الأميركي.. التعديل الذي أعطى النساء حق التصويت، وبالتالي أعطى للطفلة الصغيرة من إلينوي حق الحلم بدراسة القانون، كي تترشح عن الحزب الديمقراطي وتقف تلك الليلة تمامًا، أمام الرجل الغاضب ذي البدلة الزرقاء!
بررت «نيويورك تايمز» انحيازها، منذ البدء – نهاية يوليو (تموز) الماضي – بجملة أسباب مفادها: أن كلينتون، التي نشأت في عصر لم يكن للمرأة فيه سوى قليل من الفرص، كشفت عن قوة وإصرار شديدين لبناء سيرة مهنية تشمل العالم.
معتبرة أنه عندما تولى باراك أوباما مهام عمله بوصفه أول رئيس أميركي من أصول أفريقية، تساءل المؤرخون حول ماهية المؤهلات، والخبرات، والشخصية، التي جعلته من بين كل القادة السود، الوحيد القادر على اختراق ذلك الحاجز؟!
ووفقًا للصحيفة، فإن مثل هذه الأسئلة، ستكون أكثر حدة بالنسبة لكلينتون، حيث يدقق الناخبون المعارضون لها في عمرها، وصوتها، ونغمتها في الحديث، بل وحتى في ملابسها كمؤهلات للبيت الأبيض.
حينها تساءلت في نفسي: إذا كانت هيلاري كلينتون ستتقدم للانتخابات الأميركية كمحصلة لحراك بدأ بتعديل دستوري قبل مائة عام.. فكم من السنين يحتاج قانون واحد كي ينفخ الروح فيه مجتهد أو مجتهدة بالاستفادة منه ولو بعد حين؟!
مرت الأيام والسجال بين وزيرة الخارجية، التي سافرت أكثر مما سافر أي وزير خارجية أميركي من قبل، ودونالد ترامب مستمرًا، لمزها المنافسون بفضيحة خيانة زوجها لها، رغم أنها بقلبها المحافظ الطيب سامحت، وكانت هي الضحية لخيانة زوج وسيم أكمل فترته الرئاسية، لأن أخطاء الرجال عادة تغتفر وينساها الآخرون.
اتهموها بإهمال بريدها الإلكتروني، فاعترفت.. كما تفعل النساء الناضجات حين يعاتبهن من يستحق الاستماع لعتبه، ووعدت بأن تكون أكثر دقة حين تُعطى فرصة كافية لقيادة الولايات المتحدة، اتهموها بالمرض فأبرزت سجلها الصحي، وتعافت بسرعة، كي تدرك المناظرة الأولى، أمام الرجل الذي يشكك في كل شيء، حتى إنه تساءل ذات نزق أحمر: أين وُلد باراك أوباما؟!
رتبت هيلاري أوراقها جيدًا، حافظت على رباطة جأشها، وعلى ابتسامة لم تفارقها إلا نادرًا: إن كنت خسرت أموالاً كثيرة في مسيرتك يا دونالد، فأنا تعافيت من خيانة الزوج لي، إن كنت لا تعرف جهات الخريطة، فقد سافرتُ أكثر منك ومن زوجي، وإن كنت تستعطف الناخبين الليلة، فقد اصطفت معي الـ«نيويورك تايمز» هذا الصباح، قبل أن تنتهي المناظرة، خرج دونالد عن طوره كالعادة، وعاد مائة عام إلى الوراء: أنت يا هيلاري – في الفستان الأحمر – لا تملكين المظهر الكافي لقيادة الولايات المتحدة!
وبعد المناظرة، بهدوء هيلاري، ونزق ترامب، سنشهد انتخابات غريبة، في تاريخ دولة تتشكل بطريقة مختلفة، لم يعرفها إبراهام لينكون!
جميع الحقوق محفوظة 2019